الأمير الراحل عيسى بن سلمان يكرم الخاجة بحضور والدها.
الأمير الراحل عيسى بن سلمان يكرم الخاجة بحضور والدها.




الخاجة ممثلة البحرين في أحد المؤتمرات الدولية.
الخاجة ممثلة البحرين في أحد المؤتمرات الدولية.




والدها الحاج حسن علي الخاجة.
والدها الحاج حسن علي الخاجة.




البروفيسورة هدى حسن الخاجة في مكتبها.
البروفيسورة هدى حسن الخاجة في مكتبها.




الخاجة مع الشيخة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة خلال تكريمها بمناسبة يوم المرأة العالمي.
الخاجة مع الشيخة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة خلال تكريمها بمناسبة يوم المرأة العالمي.
-A +A
بقلم: د. عبدالله المدني
من بين سيدات البحرين اللامعات، وهن كثر في مواقع ووظائف مختلفة ومتنوعة، انفردت هدى حسن الخاجة بلقب أكاديمي ومنصب حكومي لم يسبق لغيرها الحصول عليهما، فهي أول امرأة في تاريخ البحرين تحوز على لقب «الأستاذية» (بروفيسور)، وأول بحرينية تحظى بعضوية مجلس إدارة المجلس الأعلى للشباب والرياضة. فما قصتها، وكيف حققت ذلك؟

في مسيرتها العلمية والمهنية محطات كثيرة تعكس مدى إصرار وطموح المرأة البحرينية لبلوغ أعلى المراتب. وفيها أيضا عمل دؤوب لخدمة وطنها ورفعة رايته في المحافل العربية والدولية بتفانٍ وإخلاص، ولتحقيق رؤية البحرين الاقتصادية 2030.


آل الخاجة

ولدت هدى الخاجة، التي يمكن وصفها بهاوية حصد الشهادات العلمية، في المنامة لأسرة تعود جذورها إلى ميناء لنجة على الضفة الشرقية للخليج العربي، وهي أسرة الخاجة المعروفة التي كتب عنها الباحث الإماراتي حسين بن علي الوحيدي في كتابه «تاريخ لنجة: حاضرة العرب على الساحل الشرقي للخليج» (دار الأمة للنشر والتوزيع/‏ دبي/‏ الطبعة الثانية/‏ 1988م/‏الصفحات 72 إلى 81)، ساردا أسماء رجالاتها من أمثال «سالم بن إبراهيم الخاجة» الذي كان حاكما على جاسك وجزيرة جسم، و«محمد بن عبدالله الخاجة» الذي كان قنصلا للدولة العثمانية في لنجة، إضافة إلى الوجهاء «محمود محمد عبدالله الخاجة» و«إبراهيم فهمي بن محمود الخاجة»، و«الحاج يوسف بن محمود الخاجة». وعن أصول العائلة وتاريخ تجارتها كتب الوحيدي في الصفحة الثانية والسبعين من كتابه آنف الذكر النص التالي:

«آل الخاجة: وهم عرب وردوا لنجة من كنكون، أولهم الحاج عبدالله والحاج يوسف. هاجروا سنة 1270 للهجرة إلى لنجة، وكان سبب ثرائهما أنهما كانا من الموظفين الكتاب عند التاجر المشهور خليفة بن عبدالله العتيبي، فقال لهما يوما: لم لا تشتريان شيئا تكسبان من ورائه. فقالا: ليس لدينا مال نتاجر به. فقال لهما: قيدا باسمكما جنسا -أي سلعة- تستفيدان منه، فقيدا باسمهما صفقة شعير، وشاء الله أن يزيد سعره بعد أيام، فباعاه وكسبا من ورائه، وتكرر ذلك حتى حصلا على 1500 قران، وهي عملة معروفة تلك الأيام، فحملاه إلى البيت، فقالت لهما أمهما: أغلقا الباب واحسباه حتى لا يشعر بكما أحد، فبارك الله لهما فيه فصارا من الأثرياء، وفتح الله تعالى عليهما، فأسسا تجارة خاصة واشتريا بغالا وسفنا وصار لهما مركبان كبيران، فكان الحاج عبدالله الخاجة يذهب بنفسه إلى كلكتة في أقصى الهند ويحمل عليها الرز إلى لنجه وبنادر الخليج، والله يرزق من يشاء بغير حساب.. إلخ». وما حدث بعد ذلك بسنوات أن الكثيرين من أعيان وأبناء الأسرة نزحوا إلى إمارات ومشيخات الخليج واستقروا بها بُعيد سقوط حكم القواسم العرب لبندر لنجة وتوابعها في عام 1898م.

والدها هو الحاج حسن بن حجي علي الخاجة (توفي في 13 أغسطس سنة 2012 عن 93 عاما)، الذي برز ضمن التجار وأصحاب العقارات والأملاك في البحرين. ووالدتها هي ابنة رجل الأعمال الكويتي عبدالرحمن الشايجي، وعمها هو التاجر البحريني المعروف المرحوم عبدالله بن حجي علي الخاجة (توفي عام 1977م) صاحب المبادرات والابتكارات التجارية النوعية في كل من البحرين وشرق المملكة العربية السعودية، والرجل الذي سبق زمنه وعصره لجهة إطلاق المشاريع الخدمية والفندقية غير المسبوقة بمدينة الخبر السعودية في خمسينات وستينات وسبعينات القرن العشرين، من بعد فترة عمل خلالها لدى شركة أرامكو النفطية العملاقة.

ابنة المنامة

ولدت في المنامة في الثالث من نوفمبر 1958 وترعرعت في بيت والديها ما بين منطقتي القضيبية والحورة كأول أبناء والديها وكأخت كبرى لعلي ويوسف وفاطمة ومحمد. أكملت المرحلتين الابتدائية والإعدادية بمدرسة القضيبية الابتدائية والإعدادية للبنات (إدارة المناهج حاليا)، ثم التحقت بمدرسة الحورة الثانوية للبنات زمن مديرتها الأستاذة أمينة الصالح فتخرجت منها عام 1975م. وتتذكر هدى من زميلاتها في المرحلة الثانوية ثلة من نساء البحرين المعروفات مثل: بدرية رمضان وهند عقيل وحصة آل خليفة وسلوى خليل وأمينة الماجد وعائشة العامر وسامية القطان وابتسام علي السبيعي وعواطف السبيعي وغيرهن.

هيام بالرياضة

أثناء سنوات دراستها بمدارس البحرين الابتدائية والإعدادية والثانوية عُرف عن هدى حبها وتعلقها بالرياضة، بدليل ممارستها لمختلف أنواع الرياضات -آنذاك- وخاصة رياضتي تنس الطاولة والكرة الطائرة، ثم بدليل اختيارها لتمثيل البحرين مع كل من «شهرزاد الموسوي» و«منى سلوم» في الدورة العربية المدرسية التي أقيمت في الإسكندرية عام 1975. ومن دلائل تعلقها بالرياضة أيضا انضمامها إلى فريق كرة الطائرة للبنات بنادي الوحدة البحريني في أوائل الثمانينات، بل بروزها كأحد أعمدة الفريق، وهو ما دفع المسؤولين إلى اختيارها مجددا لتمثيل البحرين ضمن المنتخب البحريني إلى منافسات البطولة العربية النسائية الأولى للكرة الطائرة التي أقيمت في تونس خلال الفترة من 23 حتى 30 نوفمبر من عام 1980، فكان لها دور إلى جانب زملائها في تحقيق المنتخب البحريني للمركز الرابع في سلم الترتيب. وخلال مراحل دراستها ما قبل الجامعية استهوتها، إلى جانب الرياضة، الموسيقى فكانت ضمن العازفات في طابور المدرسة الصباحي، كما انشغلت بتوسيع مداركها من خلال القراءات الخارجية المتنوعة بتشجيع من والدها الذي كان حريصا على تزويدها بالقصص والروايات والكتب الأدبية والتاريخية الصادرة في مصر والتي كانت تباع آنذاك حصريا في «مكتبة فاروق عبيد» القديمة بشارع باب البحرين (المكتبة الوطنية حاليا).

بعد أن أنهت هدى مرحلة دراستها الثانوية، وبتلك الخلفية الرياضية وذلك الهيام بالرياضة، حصلت على بعثة دراسية إلى مصر، فسكنت هناك في بيت الطالبات البحرينيات بحي المهندسين القاهري، والتحقت بكلية التربية الرياضية للبنات بجامعة حلوان المصرية التي حصلت منها أولا على شهادة بكالوريوس التربية الرياضية سنة 1981، ثم اتبعتها بنيل دبلوم الدراسات العليا من الجامعة نفسها في عام 1987. وفي عام 1990 منحتها جامعة حلوان درجة الماجستير في التربية الرياضية. لكنها لم تكتفِ بذلك، فواصلت دراستها إلى أن نالت درجة دكتوراه الفلسفة في الإدارة الرياضية عام 1993.

رئيسة قسم التربية الرياضية

في أعقاب هذه الرحلة العلمية بكل ما اكتنفها من جهد وسهر واغتراب ومعاناة البعد عن الأهل والأقارب والمعارف، خصوصا في ظل صعوبة وسائل الاتصال في تلك الحقبة، عادت إلى وطنها لتقدم له عصارة ما تعلمته وما مرت به من تجارب، فتمّ تعيينها في عام 1996 رئيسة لقسم التربية الرياضية في كلية التربية بجامعة البحرين، وظلت تشغل هذا المنصب حتى عام 2001 وهي السنة التي تمّ فيها ترفيعها إلى وظيفة رئيسة لجنة الدراسات العليا في كلية التربية بجامعة البحرين لتواصل عملها هذا حتى عام 2003. وخلال هذه السنوات الوظيفية كلفت برئاسة تحرير «مجلة العلوم التربوية والنفسية» الصادرة عن كلية التربية بجامعة البحرين وحازت على عضوية الهيئة الاستشارية للمجلة المذكورة.

وكأنما كل الشهادات والدرجات العلمية السابق ذكرها لم تشبع نهمها الدراسي ولم تحقق لها كل طموحاتها، فانطلقت بعد رحلتها الوظيفية المنوه عنها داخل أسوار جامعة البحرين لتواصل حصد شهادات علمية جديدة. حيث نالت في رحلتها العلمية الثانية شهادة ماجستير أخرى سنة 2002، لكن هذه المرة في القانون الرياضي الدولي من جامعة أنجيليا البريطانية. ومن بريطانيا عادت إلى البحرين لتدرس متطلبات نيل الدبلوم العالي في التنمية السياسية في معهد البحرين للتنمية السياسية الذي تم تأسيسه في عام 2005 بموجب المرسوم الملكي رقم 39 ضمن مشروع جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة الإصلاحي، فكانت ضمن الدفعة الأولى من خريجات المعهد في سنة 2008. وأتبعت هدى إنجازها هذا بالحصول على ليسانس الحقوق من جامعة الإسكندرية عام 2010. وفوق هذا كله بدأت الدراسة في كلية الحقوق بجامعة الإسكندرية لنيل درجة ماجستير ثالثة في قانون العلوم الإدارية لكنها توقفت بعد سنتين من الدراسة لظروف خاصة متعلقة بالاضطرابات السياسية والقلاقل التي شهدتها مصر في هذه الفترة.

مناصب بالجملة في الجامعة

ومنذ الخامس والعشرين من فبراير 2003 وحتى 14 إبريل سنة 2008 تولت منصب عميد شؤون الطلبة بجامعة البحرين على إثر قرارات بتعيينات جديدة في الجامعة كان للنساء فيها حصة الأسد. وخلال هذه الفترة تولت أيضا عمادة كلية المعلمين بالوكالة، كما تولت رئاسة لجنة الدراسات العليا بكلية التربية في جامعة البحرين، لتحصل في العشرين من يوليو عام 2005 على درجة الأستاذية وتصبح بذلك أول بروفيسورة في تاريخ بلادها. وفي الفترة ما بين عامي 2011 و 2013 تمّ تعيينها مديرة لوحدة الدراسات العليا والبرامج الأكاديمية على مستوى جامعة البحرين التي كانت قد منحتها في العام 2001 جائزة التميز في البحث العلمي.

في مايو من عام 2013 عقد مجلس أمناء جامعة البحرين اجتماع دورته السابعة الاعتيادية في الحرم الجامعي بالصخير برئاسة وزير التربية والتعليم رئيس مجلس أمناء الجامعة الدكتور ماجد بن علي النعيمي، حيث وافق على إنشاء عمادة للدراسات العليا بهدف التنسيق بين كليات الجامعة في طرح الدراسات العليا، خدمة لأهداف رؤية البحرين الاقتصادية 2030م، ووضع ضوابط تتماشى مع سياسة تطوير التعليم العالي في مملكة البحرين، وتشجيع البحث العلمي وتوجيه موضوعات أطروحات برامج الماجستير والدكتوراه إلى ما يخدم المملكة في حل المشكلات التقنية والاجتماعية والمساهمة في تعزيز الاقتصاد المعرفي للبلاد. وقد وافق المجلس في هذا الاجتماع على تعيين هدى عميدة للدراسات العليا. وبهذه المناسبة قالت للصحافة: «إن من أهم مبررات إنشاء هذه العمادة إنما هو مسايرة للجامعات الخليجية والعربية والعالمية بإيجاد كيان أكاديمي باسم عمادة للدراسات العليا، ليكون من ضمن مهامها مركز التواصل بين تلك الجامعات في مجال الدراسات العليا. وأهمية البناء على التجربة الثرية للدراسات العليا في جامعة البحرين وتطويرها وتنميتها واستحداث مسارات تخصصية جديدة فيها بما يحقق متطلبات التنمية في البلاد. كما تهدف عمادة الدراسات العليا بجامعة البحرين إلى استيعاب التوسع الكبير في برامج الدراسات العليا، وما طرأ عليها من زيادة ملحوظة، بحيث أصبح عدد برامج الماجستير والدكتوراه المطروحة في الكليات 21 برنامجاً و7 برامج على الترتيب. حيث يتطلب هذا التوسع إدارة متفرغة ومتخصصة للتنظيم والإشراف عليها».

أولويات ومسيرة حافلة بالإنجاز

خلال مسيرتها الحافلة بالإنجازات سجلت هدى اسمها ضمن الأوائل أكثر من مرة. فعلاوة على درجة الأستاذية وعضوية المجلس الأعلى للشباب والرياضة اللتين كانت الأولى التي تحصل عليهما على مستوى البحرين، كانت أيضا أول امرأة بحرينية تنال عضوية تحكيم جائزة يوسف بن أحمد كانو للتفوق والإبداع سنة 2000، وأول بحرينية تعين عضوا في لجنة تحكيم جائزة الأمير فيصل بن فهد الدولية عام 2010، وأول بحرينية وخليجية تلتحق بجامعة أنجيليا البريطانية للتخصص في القانون الرياضي.

إلى ما سبق ذكره، نالت هدى عضوية لجنة دراسة التبعية الإدارية والقانونية لقطاعي الشباب والرياضة، والمنبثقة عن المجلس الأعلى للشباب والرياضة بمملكة البحرين، وعضوية الاستراتيجية الوطنية للشباب (محور الرياضة والترويح)، وعضوية لجنة استراتيجية مجلس المرأة (محور المرأة والتعليم والتدريب)، وعضوية لجنة إعداد تقرير مملكة البحرين الأول حول مكافحة كافة أشكال التميز ضد المرأة بترشيح من الأمانة العامة للمجلس الأعلى للمرأة، وعضوية فريق العمل المكلف من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) بإعداد مسودة استراتيجية لتطوير رياضة المرأة بدول مجلس التعاون الخليجي عام 2002. وعضوية الجمعية الأمريكية للصحة والتربية البدنية والترويج.

تقاعدت الأستاذة الدكتورة هدى حسن الخاجة من عملها الأكاديمي في عام 2008، لكنها واصلت خدمة بلدها وناسها من خلال مكتب للمحاماة أسسته بمجهودها الذاتي واستثمرت فيه علمها وتجربتها.

مُحكِّمة للبحوث

وأثناء شغلها لكل هذه المناصب، حظيت هدى بعضوية العديد من اللجان والهيئات والمنظمات المحلية والدولية، كما عملت كمُحكِّمة لبحوث علمية منشورة في العديد من الدوريات الأكاديمية الرفيعة وكمحكمة لبحوث الترقيات الأكاديمية لبعض أساتذة الجامعات الخليجية والعربية، ناهيك عن إشرافها أو مناقشتها في الوقت نفسه للعديد من الأطروحات العلمية لنيل الدرجات الجامعية العليا مثل الماجستير والدكتوراه.

وللدكتورة هدى عدد من البحوث المنشورة وغير المنشورة من تلك التي تتناول مواضيع تربوية وسياسية وحقوقية وتنموية ورياضية، من عناوينها الآتي: التعليم العالي في الوطن العربي: تحديات الواقع ورؤى المستقبل (2007)، المفاهيم الخاطئة حول التعليم الإلكتروني (2008)، المنظمات الدولية لحقوق الإنسان: منظمة العفو الدولية نموذجا (2008)، أسباب عدم تمكن المرأة البحرينية من اجتياز الانتخابات النيابية (2004)، المرأة والعمل السياسي: دراسة مقارنة حول آراء بعض فئات المجتمع البحريني من الجنسين (2006)، ورقة بحثية في التفويض التشريعي (2008)، التعليم والتنشئة السياسية (2008)، التنشئة السياسية (2010)، كتاب أساسيات البحث العلمي (تحت الطبع).