رجال امن وأقارب احد ضحايا كورونا يحملون تابوتًا في في مقبرة خاصة فتحتها الحكومة التركية لحالات الإصابة بفيروسات كورونا في إسطنبول في أواخر مارس (أ.ف.ب.)
رجال امن وأقارب احد ضحايا كورونا يحملون تابوتًا في في مقبرة خاصة فتحتها الحكومة التركية لحالات الإصابة بفيروسات كورونا في إسطنبول في أواخر مارس (أ.ف.ب.)
-A +A
«عكاظ» (جدة) @okaz_online

قالت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية في تقرير استقصائي اعدته الصحافية كارلوتا غال، ان أنقرة تخفي الأعداد الحقيقية لضحايا «كورونا»، وإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يسيطر بشدة على المعلومات الخاصة بتفشي المرض.

وأوضحت الصحيفة أن أردوغان، على مدى أسابيع، امتدح أداء تركيا في التعامل مع جائحة فيروس كورونا المستجد، باعتباره أحد أنجح الدول في العالم، فيما حافظ على رقابة صارمة على المعلومات حول تفشي المرض.

وأشارت إلى أن القصر الرئاسي بدأ حملة دعاية مدبرة بعناية، مما يضمن عدم وجود تقارير من المستشفيات ومواقع المقابر وأقارب الحداد غائبة تقريبًا، كما تم توبيخ الأطباء الذين تحدثوا على وسائل التواصل الاجتماعي، وتم اعتقال 410 شخصًا في مارس بسبب منشورات اعتبرتها السلطات التركية «استفزازية ومسيئة».

وكشفت النيويورك تايمز أن البيانات التي جمعتها من سجلات الوفيات في اسطنبول تشير إلى أن تركيا تتصارع مع كارثة أكبر بكثير من الفيروس التاجي مما تشير إليه الأرقام والبيانات الرسمية، سجلت المدينة حوالي 2100 حالة وفاة أكثر مما كان متوقعًا في الفترة من 9 مارس إلى 12 أبريل، استنادًا إلى المتوسطات الأسبوعية من العامين الماضيين، وهو أكثر بكثير مما أفاد به المسؤولون عن تركيا كلها خلال تلك الفترة.

وعلى الرغم من أن جميع هذه الوفيات لا تُعزى بالضرورة مباشرةً إلى الفيروس، إلا أن الأرقام تشير إلى قفزة مذهلة في الوفيات التي تزامنت مع بداية تفشي المرض، وهو مؤشر أولي يستخدمه الباحثون حول بيانات الوباء.

وأشارت «نيويورك تايمز» إلى أن الحكومة التركية أعلنت أول حالة وفاة بفيروس كورونا في 17 مارس الماضي، لكن وفقاً للإحصاءات التي جمعتها الصحيفة، فإن عدد حالات الوفاة في إسطنبول كان أعلى كثيراً من المعدلات الطبيعية المسجلة في فترات سابقة، في مؤشر على أن الفيروس وصل إلى تركيا قبل ذلك بأسابيع عديدة.

ولفتت الصحيفة إلى أن أردوغان أصر في 18 مارس بعد الإعلان عن حالة الوفاة الثانية على أن الدولة اتخذت وبشكل سريع جميع الإجراءات الاستباقية عندما قال «نحن مع شعبنا كنا على قدر التحدي باقتدار وحسم، كما نفعل دائماً في مواجهة الهجمات على دولتنا».

وخلصت «نيويورك تايمز» إلى أن «الإجراءات التي اتخذها أردوغان منذ مطلع فبراير كشفت أولوياته، فقد حاول مراراً طمأنة الشعب التركي، وكان يتحدث عن كيفية تناوله ملعقة من دبس التوت صباح كل يوم لتعزيز المناعة. وفي محاولة لاستمرار جزء من الاقتصاد دون توقف، فقد تجنب إصدار أوامره بإغلاق كامل للدولة».

وتطرقت الصحيفة إلى تحذيرات الأطباء من أن تركيا قد لا تكون سيطرت على الانتشار، مستشهدة بما قاله الدكتور سينان أديامان، رئيس الجمعية الطبية التركية، في مقابلة هاتفية «لم تحرك الدولة ساكنا في فبراير على الرغم من أن وجود المرض كان معروفا؛ معدات الوقاية من الفيروسات شحيحة وغير موجودة في بعض الأماكن، كما لم يتم توسيع نطاق الاختبارات إلى المستوى الكافي حتى الآن».

وبينت «نيويورك تايمز» أن تركيا لا تحتسب سوى حالات الإصابة بكوفيد-19 التي تم تأكيدها بنتيجة اختبار إيجابية، وهو ما أكده وفقا للصحيفة أديامان: «البيانات المتوفرة لدينا ليست كافية لتحديد ما إذا كانوا يسيطرون على الوباء».

ولفتت الصحيفة إلى دعوة الجمعية الطبية التركية - وهي جمعية مستقلة تضم حوالي 120 ألف عضو - إلى مزيد من الشفافية، لمساعدة الأطباء على فهم المرض بشكل أفضل، وتقديمها 22 سؤالاً لوزير الصحة الأسبوع الماضي، وطلبها بيانات عن الحالات، والتركيبة السكانية للمصابين، وتفاصيل عن عدد العاملين في مجال الرعاية الصحية الذين أصيبوا بالمرض، من دون أن تتلقى أي إجابة.

وتطرقت الصحيفة إلى ما قاله الدكتور أديامان بأن المجلس العلمي - وهو مجموعة من الخبراء شكلتها الحكومة لتقديم المشورة حول إدارة الوباء - لا يعلن قراراته ولا تتشارك الحكومة البيانات مع جمعيته.

وفي الأول من أبريل، أعلن وزير الصحة أن 601 من العاملين في مجال الصحة قد أصيبوا بالفيروس، ولكن الدكتور أديامان، بحسب الصحيفة، يقدر عدد المصابين بحوالي 1500، من بينهم 1000 في إسطنبول، مشيرة إلى وفاة 17 من العاملين في مجال الصحة جراء الفيروس في إسطنبول، بحسب تقارير نشرتها عدة نقابات.

وتحدثت «نيويورك تايمز» عن النقص في المعدات الطبية استنادا لما قاله أديامان: «منذ البداية كانت هناك مشكلة في توافر معدات الوقاية الشخصية. والآن يشعر البعض بالقلق من أن هذه المعدات ستنفد ولن يتوافر بديل لها، كما يعمل بعض المهنيين الطبيين في نوبات تصل إلى 12 و24 ساعة، وهذا يسبب الإرهاق».

وقالت الصحيفة «رغم أن الحكومة سجلت نسبة تأييد بلغت 63 % في استطلاع حديث لأدائها في التصدي لوباء كورونا المستجد، فإن الاندفاع نحو شراء السلع وتخزينها في جميع أنحاء البلاد عندما تم الإعلان عن حظر التجول فجأة في العديد من المدن الكبرى في 10 أبريل، أعطى لمحة عن القلق المتنامي بين العامة».

وأشارت إلى أن حكومة أردوغان تعاني بالفعل من نقص في السيولة، واستنفدت احتياطياتها في دعم الليرة التركية خلال العام الماضي، وأنه مع إغلاق الأعمال التجارية وإيقاف السياحة، اضطرت الحكومة للإعلان عن مساعدات إضافية للعمال والشركات.

ورأت «نيويورك تايمز» أن الوباء كشف بالفعل عن استجماع خصوم أردوغان لقوتهم في تركيا، حيث زادت ثقة السياسيين المعارضين والنشطاء تدريجيا، بما في ذلك عمدة إسطنبول إكرام إمام أوغلو، وعمدة أنقرة منصور يافاس، اللذان سبقا أردوغان في تقديم المساعدة إلى ناخبيهما.

وأضافت «أجبر العمدتان أردوغان على توفير أقنعة الوجه المجانية لجميع السكان، ما أضاف عبئا على ميزانية الدولة التي كانت تخطط في البداية لجعل الشركات الخاصة تبيع الأقنعة، وتدرك المعارضة جيداً الضغوط الاقتصادية التي تتعرض لها الحكومة، ولكنها لم تخفف من ضغطها خلال الوباء، بل زادت جهودها لضمان عدم حرمان الشعب التركي من حقوقه».

وختمت الصحيفة تقريرها بما قاله كمال كليجدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض، في مقابلة تلفزيونية: «الحكومة مدمرة ولا تعرف ماذا تفعل، فلا يوجد مال، وهذه هي الحقيقة».