ترمب ونيكسون
ترمب ونيكسون
-A +A
طاهر الحصري (جدة) taher_ibahim0@
كل عصفور لا يغني إلا على شجرته، وكل نسر لا يحلق إلا في سمائه التي يعرفها، وكل سمكة لها بحرها الذي خبرت تياراته وأمواجه. والصورة نفسها في السياسة، فكل سياسي له شجرته وسماؤه وبحره، أي أن كل سياسي لا يتحرك إلاّ في أجواء معينة، وتحت مؤثرات محددة، وداخل حدود وتخوم يقيس بها ويستهدي إليها بما يعرفه من شواهد ومعالم حتى إن كان ذلك السياسي هو رئيس أكبر قوة عظمى عالمية، وصاحب الكلمة الأولى في البيت الأبيض والولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترمب، الرئيس 45 في تاريخ أمريكا، الذي واجه مساء أمس (الثلاثاء) مساءلة تاريخية أمام مجلس الشيوخ بهدف عزله في إطار محاكمته بتهمتي استغلال السلطة وعرقلة أعمال الكونغرس.

وبما أن التاريخ يتكرر، فقد يصنع الحاضر كما فعل بالماضي ويلقي بظلاله الرمادية على المستقبل، كان للسياسة الداخلية الأمريكية أو بالأحرى الرقابة على نشاط الرئيس داخل البيت الأبيض سابق نجاح في الكشف عن أكبر فضيحة هزت عرش الرجل الأبرز في العالم، وأدت إلى تنحي الرئيس ريتشارد نيكسون في العام 1974م، بعد التهديد بمحاكمته وعزله، إثر إعلان تفاصيل ما سمي بفضيحة «ووتر غيت»، وإلقاء القبض على 5 أعضاء في لجنة إعادة انتخاب الرئيس، بتهمة اقتحام المقر الرئيسي للحزب الديموقراطي الوطني في مبنى ووتر غيت بواشنطن.


وبعد عامين من التحقيق أعلن عن الجرائم التي ارتكبت باسم نيكسون، منها: التجسس على أنشطة الحزب المنافس، إذ وضع المسؤولون عن حملة انتخاب نيكسون أدوات تجسس داخل المقر الرئيسي للحزب الديموقراطي، في مبنى ووتر غيت، عرفوا عن طريقها عدداً من المعلومات الحساسة، التي يُعتقد أنها ساعدت على إعادة انتخاب نيكسون. وثمة قواسم مشتركة بين ما حدث في سبعينات القرن الماضي، قبل 46 عاماً، وما يحدث حالياً، في مقدمة تلك القواسم أن كلا الرئيسين «نيكسون وترمب» ترشحا وفازا بالرئاسة عن الحزب «الجمهوري» نفسه، وأن كليهما واجها المساءلة في الفترة الأولى من رئاسته، وأن السبب في تنحي نيكسون - الرئيس 37 في تاريخ الولايات المتحدة - هو نظام التسجيل الصوتي في البيت الأبيض، الذي وضعه نيكسون بنفسه، وكان سبباً رئيسياً في كشف أركان ما حدث في «ووتر غيت»، وكذلك ترمب فقد أدى إجراؤه اتصالاً هاتفياً بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في 25 يوليو 2019، حثه خلاله على إجراء تحقيق مع نائبه السابق جو بايدن ونجله، الذي يعمل عضواً بمجلس إدارة شركة أوكرانية، في مزاعم فساد بهدف التأثير على منافسه في انتخابات 2020 المرتقبة.

آخر قواسم القضيتين هو القوة التي يتمتع بها النظام الداخلي الأمريكي، فبعد ما يقرب من نصف قرن لا يزال هذا النظام غير خاضع لأحد أو لهيمنة أحد، حتى ولو كان الرئيس نفسه.