حب الملوك
حب الملوك




جيمس إيفيرت دوتشكي المتهم بمحاولة اغتيال الرئيس السابق باراك أوباما بسم الريسين.
جيمس إيفيرت دوتشكي المتهم بمحاولة اغتيال الرئيس السابق باراك أوباما بسم الريسين.




نايف العتيبي
نايف العتيبي




عبدالرحمن حمدي
عبدالرحمن حمدي




 رمزي مثنى
رمزي مثنى




أعشاب الموت.
أعشاب الموت.
-A +A
تحقيق: خالد عباس طاشكندي Khalid_Tashkndi@

ذئاب «داعش» المنفردة حاولت صناعة قنبلة بيولوجية من 3300 حبة خروع

قبل أيام معدودة، ضجت وسائل الإعلام العالمية بنبأ إحباط السلطات الأمنية في الولايات المتحدة محاولة اغتيال الرئيس الأمريكي دونالد ترمب من خلال طرد بريدي يشتبه أنه مرسل من كندا إلى مقر إقامته في البيت الأبيض، ويحتوي على سم «الريسين» القاتل، وفق ما تناقلته وسائل الإعلام الأمريكية ووكالات الأنباء العالمية، وهي ثاني محاولة اغتيال فاشلة للرئيس ترمب بهذا السم الفتاك في غضون عامين، حيث تعرض لمحاولة اغتيال مشابهة في عام 2018، اتهم بتدبيرها مواطن أمريكي من ولاية يوتا يدعى ويليام كلايد ألين (39 عاما)، بعد أن قام بتوجيه طرد بريدي يحتوي على «الريسين» إلى الرئيس ترمب، وكذلك وجه رسائل مسمومة مشابهة إلى مسؤولين آخرين في الحكومة الأمريكية من بينهم وزير الدفاع الأمريكي السابق جيمس ماتيس، ورئيس العمليات البحرية الأدميرال جون ريتشاردسون، ومدير مكتب التحقيقات الفيدارلية (FBI) كريستوفر راي، وأوضحت حينها المتحدثة باسم البنتاجون، دانا وايت، أن الطرد المشبوه الذي أرسل إلى ترمب كان يحتوي على «بذور نبات الخروع التي يشتق منها سم الريسين» وهي بحد ذاتها سامة جداً وقاتلة إذا تم تعاطيها بشكل خاطئ أو استنشاق الروائح السامة التي تفرزها.

وسبق أن تعرض الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما لمحاولة اغتيال مشابهة في أبريل 2013، بعد أن قام مواطن أمريكي من ولاية مسيسيبي يدعى جيمس إيفيرت دوتشكي (41 عاما) بإرسال طرد بريدي ملوث بسم «الريسين» إلى مقر إقامته، وأرسل كذلك خطابات مسممة أخرى إلى السيناتور روجر ويكر من ولاية مسيسبي، والقاضي سادي هولاند، وتم إدانة دوتشكي بعد أن أقر بذنبه وحكم عليه بالسجن 25 عاماً.

«الريسين» اصبحت في السنوات الأخيرة قاسماً مشتركاً في سلسلة متفرقة من العمليات الإرهابية ومحاولات الاغتيال ضد زعماء ورؤساء ومسؤولين سياسيين وعدد من الشخصيات المهمة حول العالم، فوصول هذه المادة السامة للضحية المستهدفة على الأرجح أنها سوف تقتله في غضون 72 ساعة، والسبب الأرجح في استخدامها بجانب سميتها الشديدة هو سهولة توفيرها وطرق استخراجها، فمصدر هذه المادة الخطيرة موجود في بذور نبات الخروع المنتشرة في جميع أنحاء العالم وتباع من قبل العطارين بحجة فوائدها العلاجية والصحية، ولكن هذه الحبوب سلاح ذو حدين وتناولها قد يؤدي إلى الوفاة بعدة طرق سواء عن طريق مضغ كميات قليلة منها أو عن طريق استنشاق الانبعاثات السامة الصادرة عنها أو حقنها في الجسم أو حتى عن طريق ملامستها للجلد إذ قد تتسلل عبر المسامات أو الجروح والقرح إلى داخل الجسم.

تكرار محاولات اغتيال الرئيس الأمريكي دونالد ترمب وسلفه باراك أوباما، سواء بمادة الريسين المستخلصة من بذور الخروع أو من خلال البذور نفسها، لفتت انتباه وأنظار العالم إلى حجم هذا الخطر القادم من النباتات السامة سهلة التداول، خاصة بعد أن ثبت تسلله إلى إستراتيجيات الجماعات الإرهابية، وبات يستوجب تحركات قوية وفاعلة للتوعية من مخاطر هذا النبات السام، خاصة انه متوفر في الأسواق ومحلات العطارة بثمن بخس، فقد تحصل على نحو 50 بذرة من الخروع بأقل من خمسة ريالات، حبة واحدة منها قد تكفي لقتل طفل وحبتان منها قد تقتل شخصاً بالغا.

حقائق ثابتة.. لا يوجد ترياق

وفقا لـ«وكالة مراكز مكافحة الأمراض واتقائها والسيطرة عليها والوقاية منها» (CDC)، وهي مؤسسة رائدة في مجال الصحة العامَة، وتعتبر وكالة فيدرالية تابعة للحكومة الأمريكية وتخضع لإشراف وزارة الصحة الأمريكية، يعتبر «الريسين» من السموم البيولوجية القوية المشتقة من مصدر نباتي وهو «حبوب الخروع»، ويمنع هذا السم تخليق البروتين في الجسم فهو يعمل عن طريق الدخول إلى خلايا جسم الإنسان ومنعها من صنع البروتينات التي تحتاجها مما يؤدي إلى موتها، ومن ثم يتسبب في فشل الأعضاء الحيوية في الجسم مما يؤدي إلى الوفاة، وعادة أعراض ابتلاع هذا السم هي القيء والإسهال الشديد ثم يليه فشل في عدد من الأعضاء الحيوية مثل الكبد والكلى والطحال؛ وهو ما قد يؤدي إلى الوفاة في غضون 36 إلى 72 ساعة من التعرض له، ويؤدي استنشاق السم عادة إلى ضيق في التنفس وحمى وسعال يتبعها تطور وذمة رئوية وانخفاض في ضغط الدم وفشل تنفسي وهو ما قد يؤدي إلى الوفاة في غضون 36 إلى 72 ساعة.

وأفادت «CDC» أن استنشاق «الريسين» يؤدي إلى ظهور وتطور أسرع في أعراض التسمم مقارنةً بابتلاعه، ومدى السمية يعتمد على مقدار مادة الريسين التي تعرض لها الضحية، ومدة التعرض، وطريقة التعرض (الاستنشاق، أو الابتلاع، أو الحقن)، وعوامل أخرى. بشكل عام، عندما تكون الجرعة هي نفسها، فإن التعرض للريسين عن طريق الحقن يكون له أكبر احتمال للتسبب في الوفاة، يليه الاستنشاق، ثم الابتلاع، وتظهر الأعراض الأولية عادة في أقل من 6 إلى 12 ساعة، ومن المرجح أن تؤثر الأعراض الأولية على الجهاز الهضمي وتشمل الغثيان والقيء وآلام البطن، ومن المرجح أن تتطور أعراض التسمم بالريسين بسرعة (بشكل عام خلال 12 إلى 24 ساعة)، لتشمل مشكلات مثل الجفاف الشديد ومشكلات الكلى والكبد.

إذا تم استنشاق مادة الريسين، فقد تحدث الأعراض الأولية في وقت مبكر من 4 إلى 6 ساعات بعد التعرض للسم، ولكن يمكن أن تحدث أعراض خطيرة أيضًا في وقت متأخر بعد 24 ساعة من التعرض، ومن المحتمل أن تؤثر الأعراض الأولية على الجهاز التنفسي ويمكن أن تشمل صعوبة التنفس وضيق التنفس والسعال. ومن المحتمل بعد ذلك أن تتطور أعراض التسمم بالريسين بسرعة (بشكل عام أكثر من 12إلى 24 ساعة) لتشمل مشكلات مثل تفاقم أعراض الجهاز التنفسي، والوذمة الرئوية (سائل داخل الرئتين)، وفي النهاية يتعطل الجهاز التنفسي، ويمكن أن تحدث الوفاة بسبب التسمم بالريسين في غضون 36 إلى 72 ساعة، اعتمادًا على طريقة التعرض (الاستنشاق أو الابتلاع أو الحقن) والجرعة المتلقاة.

وأكدت «مراكز مكافحة الأمراض» الأمريكية (CDC) بأنه لا يوجد ترياق لسم الريسين، ونظراً لعدم وجود ترياق، فإن العامل الأكثر أهمية هو تجنب التعرض للريسين في المقام الأول، وإذا كان لا يمكن تجنب التعرض، فإن العامل الأكثر أهمية هو إزالة الريسين من الجسم في أسرع وقت ممكن، ويتم علاج التسمم بالريسين من خلال إعطاء الضحايا رعاية طبية داعمة لتقليل آثار السم، كما أكدت على أن تسمم الريسين ليس معديا، إذ لا يمكن أن ينتشر من شخص لآخر من خلال الاتصال العارض، كما أن حالات ابتلاع حبوب الخروع كاملة إذا لم تمضغ قد لا تؤدي إلى التسمم على الأرجح لأنه من الصعب خروج الريسين من جدار قشرة حبوب الخروع الصلبة، وأيضا لا يتم امتصاص الريسين بشكل جيد من خلال الجهاز الهضمي بالمقارنة مع الحقن أو الاستنشاق.

من السموم الـ5 الأكثر فتكاً على وجه الأرض

أجمعت سلسلة من الدراسات والأبحاث والمراجع العلمية على أن سم الريسين يعد من أشد 5 سموم بيولوجية فتكاً في العالم، ويعادل سم الريسين ضعفي السم الموجود في ثعبان الكوبرا، وأكدت نتائج دراسة بحثية صادرة عن معهد الطب الشرعي في جامعة بون الألمانية في يوليو 2009 من إعداد الباحثين فرانك موشوف وبوركارد ماديا، أن 500 ميكروغرام من الريسين المستخلص من بذور الخروع يكفي لقتل شخص بالغ، وقد اكتسب هذا السم شهرة في أواخر السبعينات من القرن الماضي بعد استخدامه في عملية قتل الصحفي البلغاري المعارض جورجي ماركوف عام 1978 بعد أن تعرض إلى هجوم من قبل أحد الأشخاص في العاصمة البريطانية لندن وقام بحقنه بمادة الريسين، مما أدى إلى وفاته في غضون أيام قليلة، ومنذ ذلك الحين تم تعريف استخلاص مادة الريسين كإحدى وسائل الإرهاب البيولوجي المحتملة، ويمكن أن يتسمم بها الناس عن طريق الهواء أو الطعام أو الماء.

وأكدت دراسة بحثية صادرة في 2018 بعنوان: (إمكانات الخروع الحيوية) من إعداد ديفيش ساكسينا وباحثين آخرين من المعهد الهندي للتكنولوجيا، أن مادة الريسين سامة أكثر بحوالى 6000 مرة من السيانيد و 12000 مرة أكثر من سم الأفاعي ذوات الأجراس. ويستخدم الريسين الممزوج بالطعام كطعم شديد السمية لبعض الآفات مثل القوارض والحشرات. وأكدت الدراسة أن جرعة 0.035 ملغ من مادة الريسين قد تقتل رجل بالغ، وحتى الجزيئات الصغيرة في القروح المفتوحة وفي العينين قد تكون قاتلة. كما ورد في العديد من المراجع أن هذا السم استخدم في في العديد من الاغتيالات عبر التاريخ القديم والحديث. وبحسب دراسة بحثية منشورة في دورية علمية متخصصة في السموم (MDPI Toxins) بتاريخ 11 يونيو 2019، تحت عنوان: (الريسين: قصة قديمة لسم خالد)، تم تقدير الجرعة الفموية القاتلة من الريسين في البشر من 1 إلى 20 ملليغرام (حوالى 5 إلى 10 حبات من بذور الخروع)، وفي حال استنشاقه، فإن الجرعة المميتة تتراوح بين 5 إلى 15 ميكروغراما، أما عن طريق الحقن فالجرعة المميتة عن طريق حقن الوريد تكون من 3 إلى 5 ميكروغرامات، و 22 ميكروغراما عن طريق الحقن تحت الجلد.

إرهاب حبوب الخروع و«إدارة التوحش»

في عام 2004، أصدر تنظيم القاعدة الإرهابي كتاباً بعنوان «إدارة التوحش» من إعداد أبو جهاد المصري، يعتبر بمثابة الإستراتيجية الإرهابية المستحدثة من قبل التنظيم، وتدعو إلى التركيز على تنفيذ هجمات إرهابية ضد أهداف صغيرة ومتوسطة، وكان من بين ما طرحه الكتاب استخدام أساليب القتل بالسم، وهذه الأفكار انتقلت تلقائياً إلى تنظيم «داعش» الإرهابي الذي طبقها لاحقاً من خلال إستراتيجية «الذئاب المنفردة»، وهم أفراد يقومون بتنفيذ أعمال إرهابية بشكل فردي من دون الحاجة إلى تنسيق جماعي أو تجهيز مسبق مع الجهات المركزية في التنظيم، وتجلت نتائج هذه الإستراتيجية الخبيثة في حوادث الطعن والدهس العشوائية التي تكررت في عدد من الدول والعواصم الغربية.

ومن تبعات هذه الإستراتيجية التي خرج بها كتاب «إدارة التوحش» هو تناسل الأعمال الإرهابية الفردية في أوروبا، وكان من بينها عملية إرهابية جرت أحداثها في ألمانيا عام 2018، واستخدمت فيها «بذور الخروع» كسلاح بيولوجي من قبل زوجين داعشيين (الزوج تونسي يبلغ من العمر 30 عاما والزوجة ألمانية تبلغ من العمر 44 عاما)، بايعا داعش قبل الواقعة بعام، ولم يتمكّنا من الالتحاق بالتنظيم في سورية، فقررا القيام بعمل إرهابي في مقر إقامتهم بمدينة كولونيا الألمانية عبر القيام بتجهيز «قنبلة بيولوجية» وتفجيرها في أحد المرافق العامة لقتل عدد كبير من الضحايا، ولكن قبضت عليهم الأجهزة الأمنية الألمانية قبل القيام بالعملية، وعثر في مقر سكنهم على أكثر من 84 ملغ من سم الريسين، وحوالي 3300 بذرة خروع، بالإضافة إلى العثور على مكونات أخرى لصناعة قنبلة، وحكم على الزوج بالسجن 10 سنوات بتهمة صنع سلاح بيولوجي قاتل بهدف القيام بعمل إرهابي، فيما حكم على الزوجة بالسجن 8 سنوات، فيما أوضح تقرير نشرته مجلة «دير شبيغل» الألمانية أخيرا، أن مخطط الزوجين الداعشيين كان بإمكانه أن يؤدي إلى مقتل 100 شخص على أقل تقدير. مادة الريسين عامة متورطة في العديد من حالات التسمم الحيوانية والبشرية، سواء كانت عرضية أو كيدية، وأدت محاولات استغلال الصفات السامة للريسين لاستخدامه كعامل حرب كيميائية وبيولوجية إلى تعزيز مراقبة هذا السم من قبل الوكالات الحكومية والدولية، وتم حظر استخدام الريسين استنادًا إلى «اتفاقية الأسلحة البيولوجية»، و«اتفاقية الأسلحة الكيميائية» على حد سواء. وعلى الرغم من سميته الفتاكة، فإن استخدام الريسين كسلاح بيولوجي من قبل المنظمات الإرهابية والدول المارقة التي تدعم الإرهاب ربما يكون أمراً غير عملي من وجهة نظر لوجستية، فوفقاً لدراسة بحثية صادرة في يوليو 1999 بعنوان: (المخاطر المحتملة للأسلحة البيولوجية) من إعداد إم جي كوربتر، فإن فاعلية استخدام الريسين كسلاح بيولوجي أقل من الجمرة الخبيثة وسم الأعصاب على سبيل المثال، حيث تشير التقديرات إلى أن الجهات التي تسعى لصناعة هذا النوع من الأسلحة بحاجة إلى ثمانية أطنان من مادة الريسين ليصل مداها من الرذاذ إلى مساحة 100 كيلومتر مربع وقد تقتل نحو 50% من الضحايا، بينما كيلوغرام واحد فقط من جراثيم الجمرة الخبيثة قد يسبب نفس التأثير وبالتالي فإن السعي لاستخراج الريسين بتلك الكميات يعتبر مسألة غير منطقية في ظل وجود أسلحة بيولوجية بديلة تؤدي ذات التأثير بكمية أقل بكثير، إلا أن توافر حبوب الخروع والإجراء البسيط لتنقية مادة الريسين الخام قد اجتذب اهتماماً إجرامياً وإرهابياً على نطاق صغير (تقرير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية: «حقائق عن الريسين»، فبراير 2014).

جولة ميدانية في الأسواق المحلية

على مدى عدة أيام متتالية، قامت «عكاظ» بأكثر من جولة ميدانية للبحث عن بذور الخروع في عدد من الأسواق المحلية والمحلات التجارية في مدينة جدة، تم خلالها رصد وجود هذه البذور في غالبية محلات العطارة على وجه التحديد، حيث وجدت تباع في 11 محلا من إجمالي 14 محل عطارة تم انتقاؤها عشوائياً، ولا تباع في مراكز ومحلات التموين ولا الصيدليات، ولوحظ أنها لا تباع بالكيلوغرام في جميع المحلات وإنما بكميات محدودة، ويقدر سعر كمية مقدرة بنحو 50 حبة من بذور الخروع المعروفة ما بين 5 إلى 15 ريالا كحد أقصى، وعادة ما يرفض الباعة بيع كميات أكبر ويستفسرون عن الأسباب، فيما يؤكد غالبية الباعة في محلات العطارة على أن استخداماتها عادة لعلاج الإمساك، البعض منهم وصف لنا الطريقة الآمنة لطريقة استخدامها لكن الغالبية العظمى من الباعة لا يهتم بإعطاء أي تفاصيل عن الكمية التي يجب استخدامها أو كيفية تحضيرها بشكل آمن أو التحذير من مخاطرها على صحة المستخدم.

«الغذاء والدواء»: لا نراقب منافذ بيع الأعشاب

تواصلت «عكاظ» مع الهيئة العامة للغذاء والدواء للاستفسار عن الإجراءات والقيود الرقابية على تداول وبيع «بذور الخروع» سواء في محلات العطارة أو غيرها من الأماكن المرخصة لبيع الأعشاب، وأوضحت الهيئة العامة للغذاء والدواء أنها تشارك وزارة الشؤون البلدية والقروية في المسؤوليات على «العطارة» إذ تقوم الوزارة بالرقابة على محلات العطارة ومنافذ بيع الأعشاب وتتشارك «الغذاء والدواء» مع البلدية في وضع اللوائح المنظمة لعمل محلات العطارة وتقديم الاستشارات العلمية فيما يخص الأعشاب بالإضافة إلى قيام الجهتين بالحملات الرقابية المشتركة على سوق «العطارة».

وأفاد الهيئة أنه وبالنسبة لبذور الخروع castor seed فوفق لائحة الاشتراطات الصحية لمحلات العطارة، مشيرة إلى إن قشرتها الخارجية تحتوي على مادة الرايسين وغالباً يتم التخلص منها (أي القشرة) وذلك من اجل استخلاص الزيت castor oil الذي يعتبر آمن مقارنة بالبذور، وإجمالاً فلم تصل منها حالات تسمم.

«البلدية والقروية»: تقييم الأعشاب يخضع للوائح «الدواء»

من جهته، شدد مدير عام العلاقات العامة والإعلام بوزارة الشؤون البلدية والقروية نايف العتيبي، على أن الأسئلة المتعلقة بسمية المواد العشبية من اختصاص الهيئة العامة للغذاء والدواء بحسب ما تنص عليه اللائحة التنفيذية لنظام المستحضرات الصيدلانية والعشبية، مؤكداً على أنه لم تسجل أي حالات تسمم من استخدام هذه البذور.

مدير مركز السموم بمنطقة مكة: سحبها من الأسواق ضروري

بدوره، أوضح مدير مركز مراقبة السموم والكيمياء الطبية الشرعية بمنطقة مكة المكرمة عبدالرحمن يحيى حمدي، أن الريسين بروتين شديد السمية، يستخرج من بذور نبات الخروع، والجرعة السامة المتوسطة للإنسان تقدر بـ2 مجم، ويعتبر أكثر سمية من سم ثعبان الكوبرا بمرتين، مشيراً إلى أنه يقلل من تصنيع البروتين بالجسم وله مدى سام واسع بالجسم ولاسيما على جهاز المناعة حيث يثبطه.

وأفاد بأنه حتى الآن لا يوجد ترياق ولا علاج محدد للتسمم بالريسين عدا العلاج التحفظي فقط، إلا أنه أكد على أنه لم يتم تسجيل أي حالة تسمم سواء بالريسين أو بذور نبات الخروع، مبيناً أنه في حالة الوفاة نتيجة التسمم بالريسين يمكن الكشف عنه بسهولة من قبل الطب الشرعي باستخدام الأجهزة الحديثة مثل أجهزة (الكروماتجرافي) المقترن مع مطياف الكتلة.

ويرى حمدي أنه من المفترض منع بيع هذه الحبوب السامة حتى لا يساء استخدامها وما يترتب عليها من أضرار.

خبير عقاقير: حبة واحدة قد تقتل طفلا

أبدى الدكتور رمزي مثنى، أستاذ علم العقاقير والنواتج الطبيعية بكلية الصيدلة في جامعة الملك سعود، تفاجأه من بيع بذور الخروع في محلات العطارة، مؤكداً أنها شديدة السمية وقاتلة، مشيراً إلى أن زيت الخروع له فوائد صحية ويستخدم كملين للبطن والتخلص من حالات الإمساك وهو آمن للاستخدام، ويتم استخلاصه من أوراق وبذور الخروع بعدة طرق آمنة. وأوضح أن البذور تحتوي على نوعين من البروتينات أحدهما شديد السمية وهو «الريسين» الذي يقوم بتثبيط تصنيع البروتينات في الجسم، ومجرد جزيء واحد من الريسين يدخل الخلية يوقف نشاط 1500 ريبوسوم في الدقيقة ليقتل الخلية، وهو ما يؤدي إلى قصور الأعضاء والوفاة، مبينا أنه في حال ابتلاع البذور فإن أبرز علامات التسمم هي الغثيان والتقيؤ الشديد والجفاف الحاد، والإسهال الدموي، ثم يعاني الشخص المسمم لاحقاً من توقف في وظائف الكلى والكبد والطحال.

وأكد الدكتور مثنى أن ابتلاع حبتين إلى 8 ثماني حبات من بذور الخروع قد تؤدي إلى قتل شخص بالغ، وابتلاع حبة واحدة فقط قد يؤدي إلى الوفاة بالنسبة للأطفال، وأكد أيضاً على عدم وجود مصل لمثل هذا النوع من السموم.

مؤلف «أعشاب الموت»: قتلت طفلاً في التاسعة.. وطالبت بعدم بيعها منذ 20 عاماً

أكد أستاذ علم العقاقير الدكتور جابر القحطاني على خطورة «بذور الخروع» لاحتوائها على مركب الريسين السام، وقال إن بذرتين من هذه النبتة كافية لقتل طفل في حال قام بأكلها، مطالباً أولياء الأمور بمراقبة أطفالهم عند التنزه في الحدائق التي قد يوجد بها خروع، إذ إن بذوره وشكل أوراقه ذات اللون الأحمر قد تكون مغرية للأطفال.

وقال لـ «عكاظ» إنه طالب قبل 20عشرين عاماً بعدم بيعها بعد أن توفي أحد الأطفال بسبب تناولها، مشيراً إلى أن محلات العطارة تبيع بذوراً سامة أخرى ولا تقل خطورة عن بذور الخروع، من بينها بذور «عين الديك» و«المنفل» و«الدنقة».

وقد أفرد الدكتور القحطاني في الجزء الرابع من مؤلفه «موسوعة جابر لطب الأعشاب» معلومات مفصلة علمياً حول بذور نبات الخروع ومخاطره على صحة الإنسان، وألف كتاباً بعنوان: «أعشاب الموت»، وثق من خلاله الحوادث التي سببتها المواد السامة في بذور بعض النباتات ومن بينها واقعة تسبب بذور الخروع في مقتل طفل في مدينة الخرج كان يبلغ من العمر 9 سنوات، وذلك بعد أن قطف كميات منها وتناولها أثناء لهوه في إحدى المزارع، ووجدوا البذور في جيبه، وكانت الأعراض التي برزت عليه متطابقة مع أعراض التسمم بهذا النوع من البذور وهي القيء والإسهال الشديد المصحوب بدم غزير.

وبين مؤلف «أعشاب الموت» أن نبات الخروع منتشر في جميع مناطق المملكة، وينمو بشكل عفوي ويزرع أيضاً.