أمل التريكي تعزف مقطوعة عربية على القانون.
أمل التريكي تعزف مقطوعة عربية على القانون.
نداء أثناء عزفها على العود.
نداء أثناء عزفها على العود.
امتثال الفريح
امتثال الفريح
فوزية العمري
فوزية العمري
الزميل إبراهيم عقيلي في حصة عزف على العود مع نداء التركي.
الزميل إبراهيم عقيلي في حصة عزف على العود مع نداء التركي.
نور الخضراء في تدريب عملي على آلة الكمنجة.
نور الخضراء في تدريب عملي على آلة الكمنجة.
سعيد مدرب آلة العود في «أرباب الحرف».
سعيد مدرب آلة العود في «أرباب الحرف».
عبدالله الحضيف
عبدالله الحضيف
-A +A
تحقيق: إبراهيم عقيلي iageely@ تصوير: عمرو سلام amrosallam2@
لم أكن أتوقع أن مهمة العمل الجديدة التي سأخوضها في مشروع «أرباب الحرف» ستأخذني إلى ضفة أخرى من العمل الميداني، ولن تكون المهمة للبحث عن تجربة عمل جديدة تدر دخلاً مجزياً لشاب يبحث عن وظيفة، لقد كانت تجربة تثري الجانب النفسي ومهام تشبع النفس بممارسة فنون جميلة.

الفكرة في بدايتها كانت مختلفة، والتواصل مع المشرف على المكان لإيجاد فرصة عمل مؤقتة، لكن التقصي والتحقق يضعنا أمام مجموعة من الشباب يكسرون قيد الأعراف ليعيشوا الفرح والبهجة بممارسة هواياتهم وفق القوانين، بعد أن منعوا طويلاً من الحياة. عازفون لأنواع مختلفة من الآلات الموسيقية والأغرب من ذلك أن غالبية العازفين فتيات بمختلف الأعمار.


بحثت عن مكان يجمع بين القهوة والموسيقى، بعد أن انتشر كثير من المطاعم التي توفر فرقاً موسيقية لزبائنها، فنصحوني بالتواصل مع مشروع «أرباب الحرف»، وكنت أظن حينها أنه يشبهها، رغم توقفي عند الاسم كثيراً، فهو لا يدل على أنه عنوان مطعم لتناول الأكل وقضاء وقت مع الموسيقى.

وببحث سريع عبر «تويتر» ظهر حسابهم متضمنا رقم جوال، وبعد التواصل معهم رحب بي شاب لطيف عرف بنفسه أنه صاحب المكان، فإذا بي أمام جمعية صغيرة مصرحة من الجمعية السعودية للثقافة والفنون، ليس لهم هدف سوى نشر المحبة والفنون بين الناس.

اتفقنا على الالتقاء يوم الاثنين القادم، في مقرهم في أحد أحياء شمال جدة، وبرفقته عدد من الفتيات العازفات على الآلات الموسيقية المتنوعة من كمان وعود وبيانو وقانون. مؤكداً لي أن غالبية الراغبين في التدريب على الفنون الموسيقية هم من الفتيات.

لكن فرحتي بهذا اللقاء كانت ستنتهي بعد أن حضرت ولم أجد منهن سوى مدربة القانون أمل التريكي، وهي التي أخذت على عاتقها تدريب كل الراغبين في العزف على القانون رغم صعوبته، إلا أنها عزمت على الاستمرار بقوة بعد أن لمست إقبال الكثير من الفتيات.

لكني لم أجدهن في اليوم الأول للأسف.

ليفصح لي مؤسس «أرباب الحرف» عبدالله الحضيف بأن كثيراً من الفتيات اعتذرن عن الظهور والتصوير لصعوبة الأمر لديهن، مؤكداً لي أن 90% من المتقدمين على العزف فتيات.

أوشكت المهمة أن تفشل رغم مرور أسبوع على التنسيق، لكن إصرار عبدالله الحضيف على إقناع بعضهن، ليطلب تأجيل اللقاء ليومين قادمين.

فرحبت بالتأجيل، المهم أن أقدم نماذج مشرقة من الفتيات العازفات، أو من يسميهن عبدالله «فنانات المستقبل».

نزلت عليَّ رسالة عبدالله الحضيف لجوالي برداً وسلاماً، وكان نصها كالتالي: «في انتظاركم اليوم، تم الترحيب على السادسة والنصف». وكانت الساعة تشير إلى الساعة الثانية عشرة والنصف ظهراً، ولدينا متسع من الوقت للتحضير أنا وزميلي المصور عمرو سلام، وقبل موعدنا بنصف ساعة ونحن أمام مقر «أرباب الحرف».

وإذا بي أمام خمس فتيات يحملن آلات موسيقة متنوعة بين، كمنجة وعود وبيانو، وعدد من الشباب الآخرين الذين يمارسون هوايات ثقافية عديدة.

ولأن هذه المهمة تختلف عن المهام السابقة قررت أن لا أطيل الحديث، وأترك الصور تأخذكم إلى هذه التجارب الجميلة وهي تعزف، وأتركهن يتحدثن إليكم.

فوزية العمري، فتاة في مقتبل عمرها، قررت أن تعزف على القانون رغم أنه من أصعب الآلات الموسيقية تعليماً، ولكنها سيدة التحدي، تتحدث عن تجربتها فتقول:

«بدأت معي الفكرة عندما تابعت حساب «أرباب الحرف» في السوشيال ميديا، وتحديداً وأنا أشاهد أمل التريكي مدربة القانون تعزف على تلك الآلة التي تقطر جمالاً، وأخذتني حينها إلى عالم ثانٍ، فتواصلت معهم وبدأت فعلاً التدريب».

وتسترسل فوزية في الحديث، «أصبح القانون بالنسبة لي شغفاً وأعمل على أن أكون عازفة وأريد أن أتحد مع هذه الآلة وأسير أنا وهي كجسد واحد تحركني وأحركها وتعزفني وأعزفها. وليس هدفي أن أكون اسماً معروفاً، ولكن الآن أريد أن أعزف فقط، فأنا شغوفة جداً بأبوشناق، وكل أمنيتي أن أصل لمستوى أمل التريكي، ووعدت نفسي بأني سأواصل تعليمي في هذا المجال والتدريب المكثف، وسأسافر لتطوير قدارتي لو فرض الأمر ذلك«.

نور الخضراء، فتاة صغيرة كانت تحمل في يدها حقيبة الكمنجة، والتي انقطعت عن عزفها لأكثر من ثلاث سنين، لتنسيها الكثير من جمالها، ولكنها وجدت في المكان فرصة للعودة لعشق الكمنجة، وبعد أن وجدت المكان والتوقيت المناسبين عادت إلى هوايتها من جديد.

تقول نور: «عزفت على الكمان قبل خمس سنين، واخترت الكمان لأنه يشبه صوت الإنسان ولأنه يلعب في أوتار القلب، وعندما بدأت في العزف أحببت النغمة الشرقية الحزينة، بعد العزف الغربي فجربت مرة تلو أخرى، وإذا بي أجرب عزف أغاني الألعاب الإلكترونية أيضاً، وفي النهاية ركزت على العزف العربي أثناء وجودي في أمريكا مع فرقة «أصوات» وهم عازفون يعزفون أغاني عربية، وعن التحاقي بـ«أرباب الحرف»، الذي رأيته بالصدفة كونه يقع بجوار منزلي، وبعد أن التحقت به شعرت بفرح وأنا أمارس هوايتي مع مجموعة من الفنانين المبتدئين وذوي الخبرة، لأجد في المكان ضالتي».

تماضر الجهني، ليست هاوية في عزف البيانو، فهي تلعب على أنغامه منذ نعومة أظفارها، فبيتها الفني قادها إلى الإبداع الفني مبكراً، وانضمت لـ«أرباب الحرف» لأن الوقت غير الوقت، والفرصة سنحت لأن تتبادل خبراتها مع فنانين آخرين في أجواء فنية خالصة.

تروي قصتها لي بفرح «بدأت على بيانو في البيت وعمري كان حينها لا يتجاوز السابعة، وقد ساعدني والدي الذي يعزف على آلة العود ووفر لنا كل الآلات الموسيقية في المنزل، وشدني منها البيانو صاحب النغمة الرومانسية، فبدأت العزف سماعياً، وبقطع بسيطة إلى أن كبرت موهبتي وبت أعزف أغاني كثيرة وعالمية».

أما نداء التركي حضرت مبكراً وهي تحمل في يدها آلة عود عربي، كانت قد صنعته عند أحد المحلات خصيصاً ليناسب حجمها، وأخذت ركناً في المكان وراحت تدندن أغاني عبدالرب إدريس وعبدالمجيد عبدالله وغيرها، فقد كانت حريصة على العمل طوال وقت لقائها بالمدرب سعيد المتخصص بالتدريب على آلة العود.

عملها في المجال الطبي لم يمنعها من ممارسة العزف على العود والتدرب على تطوير قدراتها، مشيرة إلى أن أهلها هم من كانوا وراء دعمها نفسياً ومعنوياً لأن محيطها يؤمن بأن الإبداع حاجة.

تقول المدير العام على أرباب الحرف امتثال الفريح: «يمثل «أرباب الحرف» القوة السعودية الناعمة، ورؤيتنا أن نكون منصة للمثقفين والفنانين ونهدف لأن يكون لنا تأثير طويل في الحرف الثقافية على مدى طويل، وهناك إقبال من البنات والشباب للعزف وإقبال البنات أكثر، وأعتقد أن التغيير في البلد له دور أيضاً في التأثير على الفتيات وتقبل فكرة العزف وممارسة الهوايات الفنية بشتى أنواعها، ونحن متأكدون أن دورنا سيكون أكبر خلال الفترة المقبلة لأننا نعمل بحب يستوعب الجميع».

واجه المؤسس للمشروع عبدالله الحضيف الكثير من الصعوبات لإنجاح حلمه، والذي كان يهدف لتوفير بيئة خصبة لأن يمارس الشباب هواياتهم وفنهم بحرية، كالتي كان يمارسها هو وزملاؤه حينما كان في أستراليا، ليعود لجدة حاملاً حلماً بإنشاء جميعة ثقافية للشباب ومزجهم بأصحاب التجارب، «ومن هنا بدأت فكرة حاضنة الشباب»، يقول عبدالله، «قبل أربع سنوات من الآن بدأ العمل على إنشاء الجمعية، ولكني لم أجد رخصة لفتح مركز ثقافي، فاستأجرت مقهى في 2016، وبدأت خطوتي الثانية في تكوين المجالس الثقافية المتخصصة، لتظهر لنا المشاكل فيما بعد، وبعد قصة مواجهة طويلة أغلق المشروع الحلم بحجج كثيرة، وتعرضت لتنمر إلكتروني وشعرت بأن المشروع الحلم انتهى، والذي أغلق بحجة الترخيص، لتأتي رؤية الأمير الشاب الطموح محمد بن سلمان لتحقق لنا ما نريد، فنفتح جمعيتنا المتوافقة مع الطموح قبل ستة أشهر، ونحمل بيدنا الطموح وبالأخرى التصاريح اللازمة للعمل في وضح النهار بعد أن كان الشباب يمارسون هواياتهم خلف الغرف المغلقة، وذلك بدعم من الجمعية السعوية للثقافة والفنون».

ويضيف: «خلقنا بيئة رائعة، لذلك تجد الكثير من الفتيات في المقهى مكاناً مناسباً لتعلم العزف، لذلك لا تستغرب لو قلت لكم إن 90% من المتدربات من الفتيات، فقد دربنا على آلة القانون أكثر من 25 فتاة تقريباً، حيث يعتمد على تدريب فردي فهو لا يجمع أكثر من فرد في الحصة الواحدة، والتدريب عليه متعب جداً وصعب».