بين ثلاجات العرض يقف بائع الجبن «وليد» 9 ساعات متواصلة يوميا.  (عكاظ)
بين ثلاجات العرض يقف بائع الجبن «وليد» 9 ساعات متواصلة يوميا. (عكاظ)
-A +A
حسام الشيخ (جدة)
في مربع لا تتجاوز مساحته تسعة أمتار، هو المساحة المسموح له أن يتواجد فيها طوال فترة دوامه، يلبي طلب هذا، ويبتسم لذاك، ويعتذر لتلك، في حركة دائبة، ليؤدي عمله على أكمل وجه. فهدفه الأول أن يخرج الزبائن راضين عن الخدمة التي يقدمها، دون أن يشعر أحدهم بآلام قدميه التي تورمت داخل «الكوتشي» لوقوفه عليها تسع ساعات متواصلة.

ولا يجد «وليد. أ. ر» - الذي أكمل عقده الثاني قبل أشهر- عيبا في العمل، مهما تواضعت المهنة، طالما اختار الانخراط في العمل الحر.


«وليد أخو الستة» الذي فضل عدم كشف هويته وصورته لم ييأس بعدما خذله معدله في الثانوية العامة، ما حال دون التحاقه بالجامعة، فقرر أن يبحث عن عمل، ولم يتردد حين وجد وظيفة بائع بقسم الأجبان في إحدى السوبرماركات في جدة، ليصبح السعودي الوحيد ضمن مجموعة كبيرة من الوافدين.

لا يأنف ولا يتأفف، ويعتبر قسم الأجبان بيته الثاني، فهو مسؤول عن نظافة الأدوات والموازين والسكاكين، وترتيب الأجبان والزيتون والمخللات بطريقته الخاصة، لتكون في متناول يديه، إذ يجد في سرعة تجهيز الطلبات متعة، ترسم على وجهه ابتسامة دائمة، يستقبل ويودع بها زبائنه على مدار اليوم.

وعن التزاماته.. يمط شفتيه، قبل أن يقول: أتقاضى 2800 ريال، وهي بالكاد تكفي التزاماتي، أساعد والدي المتقاعد وإخوتي الستة بجزء يعينهم على مواجهة المعيشة، كـ«المقاضي» والإيجار والكهرباء وخلافه، وأسدد 1000 ريال قسط سيارة، اتنقل بها بين البيت والعمل، ويتبقى لي مبلغ بسيط، كمصروف شخصي.

ويضيف بسرعة، كمن تذكر شيئا مهما: أنا أيضا مسؤول عن إيصال إخوتي الصغار إلى المدارس صباحا، وإعادتهم إلى البيت ظهرا، قبل أن أتوجه إلى عملي.

لا يفكر «وليد» في الارتباط في هذه السن المبكرة، ويرى أن السن المناسبة لا تقل عن 26 عاما، ما يمنحه فرصة أكبر للعمل ست سنوات أخرى، يدخر فيها مبلغا من المال يعينه على مواجهة مسؤوليات الزواج.

ورغم أنه لم يكمل عامه الأول في هذا العمل، يأمل في الارتقاء إلى وظيفة «مدير فرع» كهدف أول في رحلة كفاحه. قائلا: أضع نصب عيني خطة أكبر للمستقبل، فأنا شغوف لإدارة عملي الخاص في قطاع العقار، وحلمي أن أمتلك مليون ريال، استثمرها في بناء عمارة سكنية، ومن إيجاراتها أبني عمارة ثانية، وثالثة، فالإيجارات التي ندفعها لملاك العقارات، أغرتني لأن أخوض هذا المجال.