عبدالله السفياني
عبدالله السفياني




جانب من معرض الرياض الدولي للكتاب.
جانب من معرض الرياض الدولي للكتاب.
-A +A
د. عبدالله بن رفود السفياني - عضو مجلس الشورى سابقاً
من أول السطر أسجّل لوزارة الثقافة نجاحها الباهر واختيارها للعراق ضيف شرف في معرض الرياض الدولي للكتاب لعام 2021، بعد انقطاع وتأجيل معرض الرياض بسبب جائحة كورونا العام الفارط، وفي النسخة الجديدة من المعرض في مقره الحالي وفي أول إدارة للمعرض تنفذها وزارة الثقافة بعد أن كان منوطاً بوزارة الإعلام.

خيّم الجليد السياسي على العلاقات الثنائية مدة من الزمن بين البلدين الشقيقين، وحين لاحت في الأفق بوادر تدعو المنطقة لأن تقشع عن نفسها هذا الجمود في العلاقات وأن تبدأ في تبصر الأجواء من حولها وتضيء شموعاً لمرحلة جديدة جاءت الثقافة لكي تذيب هذا الجليد وتردم هذه الهوة العنيدة.


إن الثقافة بكل معطياتها غير المادية على وجه الخصوص حين تتكئ على تاريخ مشترك ولغة واحدة وعادات متقاربة ودماء متجانسة يمكن لها أن تمد جسوراً بين ضفاف مختلفة، وتشق أنهاراً تصب روافد في مناطق متنوعة، فالسعودية والعراق مساحات مشتركة من كل هذه المعطيات التي تتشبث في المكان والزمان بحيث يصعب على الأزمات مهما كانت أن تقتلعها.

ولقد كانت الاستضافة للعراق خير ما يدل على هذه الحقيقة العميقة، فمعالي وزير الثقافة العراقي الدكتور حسن ناظم والوفد المرافق له عبروا في لقاءاتهم المتعددة في هذه التظاهرة الثقافية عن الشوق العراقي الكبير لشميم عرار نجد، وعن اتصالهم الوجداني والإنساني العميق بهذه الأرض وشعبها السعودي النبيل، ولن يخفاك وأنت تتصفح وجوههم قبل كلماتهم فرحتهم الغامرة وسعادتهم الكبيرة بأنهم معنا وبين أظهرنا، ولقد بادلهم سمو وزير الثقافة السعودي الأمير بدر بن فرحان حباً بحب وصدقاً بصدق، ورأوا حقاً كيف ترفرف قلوب أشقائهم السعوديين فرحاً بمقدمهم واللقاء بهم.

لقد كان جناح العراق في المعرض مساحة من لقاءات جمعت أطيافاً من المجتمع السعودي مع أشقائهم من عراق العروبة في احتفاء لا يزيد المحبين إلا ألقاً وحبوراً.

وحين التقيت الدكتور حسن ناظم وقلت له إن العراق يعني لنا في السعودية امتداداً من التاريخ لا ينسى، وحنيناً من الماضي لا يطوى، فالرياض وبغداد هما الوجهان العربيان اللذان نعول عليهما كثيراً في مثل هذه المرحلة على مستوى الثقافة والأدب وعلى مستوى السياسة أيضاً، فالثقافة هنا رافد قوي لتوحيد المواقف السياسية، وكان حديثه صريحاً جداً وحدثني أنهم سيسعون جاهدين في استمرار وتواصل لقاءات المثقفين والأدباء بصفة مستمرة لا تتوقف، فليس هناك ما يدعو لأي فرقة ما دمنا في خندق واحد تجمعنا قواسم مشتركة لا يمكن تجاهلها.

وفي اللقاء الذي نظمته الموسوعة العالمية أدب احتفاء بضيوفنا من العراق انبجست ينابيع البيان شعراً ونثراً تعبر عن آمالنا المشتركة وتطلعاتنا لمستقبل يليق بنا، وحينها قال الشاعر المصري الكبير أحمد بخيت: إذا ابتدأت القصيدة سقطت الحدود!

تحدثت في هذه الأمسية وقلت إننا ينبغي أن لا نتوقف عن إيقاد الشموع مهما كان ليلة السياسة حالكاً، ومهما عصفت بالمنطقة رياح البلاء، ونحن في السعودية قيادة وشعباً عازمون على أن تكون صلاتنا بأشقائنا دائمة لا تنقطع، وبيضاء ناصعة تمثلنا وتمثل أشقاءنا وهذه اللقاءات تبرهن على هذه الإرادة.

وقد سررت جداً بحديث العراقيين الجميل الشفاف عن تقديرهم لكل ما رأوه من حفاوة وكرم، وكانت لغتهم ترتجف تكاد تصاحبها الدموع وهم يعانقون الكرم السعودي الأصيل.

ومن أجواء هذه الفرحة الغامرة بعث إلي الدكتور أحمد الزبيدي بعد وصوله للعراق قائلاً:

سعادة الدكتور عبد الله السفياني المحترم..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:

فقد خدعنا من قال إنكم مسافرون إلى بلد (آخر)، إذ لم أجد نفسي خرجت عن (أهلي) وحين عدت إلى بغداد، اليوم، عدت والقلب يتلفت إلى الرياض وكأنني سافرت عنها.. فشدني الحنين سراعاً إلى كرمكم السخي والبلد الأمين والخلق المثالي والثقافة العربية الرفيعة... حفظ الله المملكة الأصيلة ذات البنيان المرصوص بالمؤسسات الصادقة في بناء الدولة ورفعة مواطنيها محبتي لكم لا تغيب ولا تهدأ ودمتم بخير وعافية ومحبة مطلقة.

أعتقد أن هذا النجاح في العمل الدبلوماسي الثقافي الذي حققته وزارة الثقافة يجب أن يستمر وأن تتواصل هذه المسيرة مع العراق وغيره من الدول الشقيقة والصديقة وأن يستثمر بكل الإمكانات، لأن الثقافة تمتلك من المفاتيح والقوة الناعمة ما يمكّن لها الوصول إلى أنسجة مختلفة في المجتمعات لتعزيز المشترك الإنساني وتجفيف منابع الاحتقان ونزع أي فتيل للأزمات السياسية، وهو دور مهم للغاية بدأت وزارة الثقافة خطواته الجادة ويجب أن تشاركها فيه قطاعات حكومية أخرى كوزارة الخارجية ومجلس الشورى عبر لجانه البرلمانية ومؤسسات القطاع الخاص بمختلف اهتماماتها.

إننا في سعادة غامرة حين نجد أن جميع مؤسسات الدولة تعمل في تناغم تام وتسعى لتحقيق المصالح العليا للوطن، فالثقافة لا يمكن أن تكون في الظل وفي منأى عن ما تقوم به الخارجية من جهود جبارة تليق بمكانة المملكة ودورها الإقليمي والعالمي الرائد، فالثقافة بوابة الدخول الرئيسية إلى صالونات السياسة في غرفها الخلفية، فشكراً للوزارة على هذه المبادرة المميزة، ومرحباً بالعراق شعباً ولغة وحضارة في قلب العالم العربي النابض بالحياة رغم كل المتاعب.