خالد اليوسف
خالد اليوسف




محمد محسن
محمد محسن




حسين المناصرة
حسين المناصرة
-A +A
علي الرباعي (الباحة) rabai4444@
فرضت التحولات التقنية والميديا الحديثة نفسها على النخب الثقافية شأن بقية شرائح المجتمع، ولم تعد الكتابة الإبداعية شأناً خاصاً بالكاتب، بل غدا القارئ شريكاً فاعلاً بتداخلاته الواعية وتعليقاته الذكية المتممة لروح النصوص والمستفزة لحيويتها، وأتاحت الرواية التفاعلية مساحة لإشراك القراء في السرد عبر نماذج كتابية تفاعلية لم يحن وقت الحكم عليها، وهنا عرض لوجهات نظر كُتّاب ونقاد لهذا الملمح المابعد حداثي، كما يصفه البعض، إذ يرى الناقد السارد الدكتور حسين المناصرة أن الرواية التفاعلية حاضرة منذ نحو 15 عاماً، إلا أنها محدودة جداً، ومشاركات القراء أو المتلقين فيها محدودة جداً أيضاً. وقال «كأن المشكلة الرئيسية تكمن في حرص المؤلفين على إخراج أي عمل يكتبونه، حتى لو كان تفاعلياً، بطباعته ورقياً». وعد المناصرة التوجه بحد ذاته مؤطراً من كون الرواية تفاعلية أو أنها ذات سقف معين، مشيراً إلى أنه يصعب الحديث عن توفر رواية تفاعلية حقيقية أو فاعلة في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة. وأضاف من هنا يحتل تساؤلكم المهم: «هل آن أوان كتابة الرواية التفاعلية بين كاتب وقراء، بحيث يسهم القارئ في السرد؟»، سياقه المناسب؛ كون الرواية اليوم هي النص الأكثر رواجاً من بين الأجناس الأدبية، ومقروئيتها الدارجة تمكن الكاتب من فتح وسائل عدة لمشاركة القراء في الكتابة من جهة، وفتح فضاءات أمامه لكتابته المحفَّزة بكتابة الآخرين. ولفت إلى أن التساؤل المهم أيضاً: هل هناك استعداد لدى الكتاب لجعل رواياتهم تفاعلية فقط، ومفتوحة لكتابة الآخرين وتعليقاتهم، وإضافة الروابط التي يرونها مناسبة؟! ويجيب إلى الآن لا أستطيع أن أؤكد مدى وجود هذا الاستعداد؛ لكون الكتّاب ما زالوا يعتقدون أن الرواية ينبغي لها أن تكون تجربتهم وحدهم، وأنهم يحتكرونها لأقلامهم، ومن ثمّ لا يوجد لديهم أي استعداد لإشراك القراء في الكتابة التفاعلية، وإظهار أسماء الآخرين الصريحة أو الرمزية. ويذهب المناصرة إلى أن الكاتب والقارئ ما زال لديهما قناعة أن الكتابة التفاعلية قابلة للتعرض للسرقة أو للحذف، وبقاءها غير مضمون لا في المواقع الإلكترونية ولا في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وكثيراً ما اختفت مواقع كانت معنية بالكتابة التفاعلية، مثل: مدونات مكتوب، وموقع (نول) لإثراء اللغة العربية، وصفحات فيسبوك. ويرى أنه آن الأوان لمثل هذه الكتابة الروائية التفاعلية، بحكم أن مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة قادرة على أن تستوعبها بفاعلية واقتدار، إلا أن الأهمية تتمثل في من يُفعِّل هذا الخطاب السردي التفاعلي، وإلى أي درجة تعترف به الجهات الراعية للإبداع، وما مدى استعداد الكاتب لدينا لهذه المغامرة في الكتابة العصية بكل تأكيد على أن تخرج في كتاب ورقي؟!

وكشف عن جانب من تجاربه الخاصة في كتابة الرواية التفاعلية، إذ كتب رواية «طواحين السوس» قبل 15 عاماً، وشاركه فيها كثير من القراء، وتعذر جمع الكم الكبير من المشاركات لإصداره في كتاب، وضاع الكثير منها بسبب الحذف الإلكتروني، إضافة لرواية «إمبراطورية تيسون العجيبة» بمضي عامين من كتابة رواية «طواحين السوس»، ليحدث للرواية الثانية ما حدث للأولى. وأكد أنه بدأ منذ 6 أشهر كتابة رواية تفاعلية بعنوان: «أضيق من سَمِّ الإبرة: إلى رويبضة آخر الزمان»؛ فرفع بعض الأشخاص عليه دعويين في المحاكم، بتهم «جرائم إلكترونية»، وما زالتا قيد الإجراء في المحاكم. وعدّ «الجرائم الإلكترونية» مشكلة كبرى تواجه الكتابة والإبداع التفاعليين، بتصنيف كتابتهم وتوصيفها بالجرائم، وتطلّع لوقفة إعلامية ثقافية لمحاربة الذين يعتقدون أننا عندما نكتب بأسماء أخرى غير أسمائهم، أننا نعنيهم.


وأرجع الببلوغرافي خالد اليوسف الكتابة التفاعلية إلى الوعاء التقني الحاضن لها، ما منح الكتابة فرص تفاعل أكثر من قارئ حول محورها قبل طباعتها وانغماس البعض وسط سطورها، خصوصا إثر انتشار وسائط النشر المباشرة عبر تويتر وفيسبوك، وعدّ تجربته ناجحة في هذا المضمار، إذ نشر العام الماضي في صفحته بالفيسبوك مادة عنوانها: «نقاء الطين الأبيض.. سردية سيرية» عبر 52 منشوراً خصصها لسرد مسيرته القرائية والكتابية وحياته مع الكتاب والمكتبات والأشخاص الذين لهم تأثير وأثر في حياته، مؤكداً أنه تفاجأ بتفاعل منقطع النظير تجاوزت التعليقات على بعض (البوستات) 50 تعليقا وإضافة، ما أغراه بمواصلة الكتابة والنبض والبحث والتنقيب عن المعلومات المفيدة في التعليقات والإضافات الجديدة. ولا يرى اليوسف بأساً من تجريب الكتابة الروائية إذا تخلى الروائي عن عرشه وبرجه العالي الخاص به، إلا أنه يرى أن الروائي غالباً يصنع عالمه بسرية وكتمان وخصوصية، لا يرغب أن يشاركه أحد في بنائها وتكوين عالمها.. وقليل جداً جداً من يتنازل عن هذه الخصوصية.

وعد الشاعر الروائي محمد محسن الغامدي التفاعل بين الروائي وقرّائه مطلباً يتطلع له الكثيرون من الأدباء بحكم أن الكاتب والروائي ضمير أُمته وقلبها النابض الذي يأمل أن تكون كتاباته خير محرك لما يؤمل ويرجو من التفاعل الواعي بإضافة يستفاد منها، ولم يتحفظ الغامدي على تشارك الكاتب والقراء في خوض تجربة الكتابة ويراها فكرة جيدة إذا تحققت فيها شروط الشفافية، كون أي رواية ليست كتاب نصائح أو منشوراً وعظياً لتقويم سلوك فرد أو أفراد، ورحب بمشاركة القارئ الفنان المستوعب مصهر الكتابة والمضيف ببراءة طفل لا بإكراهات وصيّ يكتب أو يتفاعل بلهجة المصلح والموجه أو المحقق الأمني، وتطلع لشريك كتابي محايد مؤمن بأن الكتابة فعل انقلابي للذات الكاتبة تجنح به لجنون يحبه وربما تصفق كتب لكاتبها ويصفق له الناس، ويرى الكتابة تجربة مستمرة طالما أننا نكتب ومن يود مشاركتنا ويرضى بما ارتضيناه لأنفسنا فعلى الرحب والسعة.