-A +A
علي فايع (أبها) alma3e@
لم يسلم الأكاديميون في جامعة الملك سعود من المكاشفة والنقد اللاذع في مواقف مختلفة أفرد لها الدكتور حمزة المزيني مساحات في كتابه الجديد «واستقرت بها النوى» وهو كتاب في السيرة الذاتية أهداه المزيني في 594 صفحة من القطع المتوسط إلى أبيه وأمه وإخوانه وأخواته وزوجته وبناته وابنه فارس وإلى خاله «غيث» الذي قال عنه إنه لا يحتقر الدكتوراة إلاّ إذا جلس إليه!

الكتاب يستعرض العديد من المحطات التي مرت في حياة المزيني ابتداء بالطفل الذي كان «يظنّ أنّ حدود الكون تنتهي جنوبا بجبل عير، وشمالاً بجبل الطويلة وما اتصل بهما من جبال» إضافة إلى رحلته التعليمية في المدينة المنورة والرياض وبريطانيا وأمريكا ثم العودة إلى الرياض ثانية.


السيرة الذاتية -كما تبدو للقارئ- متسامحة تمجد المعلمين على المستوى الإنساني، ولكنها تشير -في الوقت ذاته- إلى مواطن الخلل والقصور في أدائهم التعليمي، إضافة إلى أنّها امتازت بقدرتها على الغوص عميقاً في العديد من الموضوعات والقضايا التي كان له قصب السبق في الكتابة عنها بجرأة ورصانة، ولعلّ من أبرز تلك المحطات في حياة المزيني هي تلك التي ارتبطت بسجالاته الصحفية في «عزيزتي الجزيرة» مع الدكتور مرزوق بن تنباك الذي كتب مقالة شنّ فيها حملة شعواء على الاهتمام بدراسة اللهجات العربية زاعماً -كما يقول المزيني- أن ذلك الاهتمام يمثل خطراً على اللغة العربية الفصحى، وسجالاته مع الدكتور رمضان عبدالتواب في قضية السرقات العلمية ومعركة لغة قريش التي دافع فيها عن اللغة العربية وأنها ليست لغة لأي قبيلة بعينها، إضافة إلى قضية تصنيف الجامعات والشهادات الوهمية وما وصفه بالكذبات الصحوية الكبرى وما ختم به مقالاته الصحفية في «عكاظ» عن الأستاذ الجامعي المتقاعد!

لم تكن هذه الحروب الكلامية التي وقف المزيني مدافعاً فيها عن رأيه وقناعته فقط، بل واصل خصوماته الأدبية والثقافية مع عبدالفتاح أبو مدين وحسن الهويمل والخفاش الأسود وعائض القرني وعبدالله الغذامي الذي وصف انقرائيته بأنها علم لاينفع وجهل لا يضرّ!

كما اهتمت سيرة المزيني الذاتية برصد العديد من التحولات الاجتماعية كالتحول الذي طرأ على كلية الآداب في جامعة الملك سعود كما يقول حتى صار التجهم يعلو وجوه كثير من الطلاب والأساتذة وصار كثير من هؤلاء أقصر ثياباً وأطول لحى وأكثر تسوّكاً.

كما تغلّب على تغييب الأنشطة الثقافية التي كان يعهدها في الكلية من قبل ولم تعد موجودة وكان همّه الأول بعد انتخابه رئيساً لقسم اللغة العربية إنهاء خطب الوعظ التي سادت وإعادة الحضور للنشاط العلمي والثقافي!

المزيني لم يتجاهل في سيرته الذاتية الوخزات التي مرّ بها، إذ ذكر أنه ذهب إلى قسم اللغة العربية وآدابها سعيداً بحصوله على الدكتوراه مزهواً بترشيح رسالته لجائزة الرسائل المتميزة في جامعة تكساس، إلاّ أنّ رئيس القسم سخر من زهوه بطريقة شعبية مبتذلة!

كما أنه لم يمنح سيرته تلك المثالية التي دأب على تسجيلها الكثير ممن يكتبون سيرهم، فقد اعترف بأنه شعر بعد رجوعه من البعثة بحاجته إلى استعادة ذائقته اللغوية العربية التي شوهتها القراءة والكتابة بالإنجليزية لسنوات عدة، فقرر أن يقرأ بعض الآثار اللغوية العربية والأدبية الرئيسة، فابتدأ بلسان العرب وكتب الجاحظ الأساسية الثلاثة (البيان والتبيين) و(الحيوان) و(الرسائل) والإمتاع والمؤانسة للتوحيدي والصاهل والشاحج ورسالة الغفران للمعري ومقدمة ابن خلدون والأغاني بأجزائه الأربعة والعشرين، كما اعترف بقراءته كتاب سيبويه الذي لم يسبق له أن قرأ فيه كلمة واحدة أثناء دراسته الجامعية الأولى في قسم اللغة العربية في جامعة الرياض!

ومثلما اعترف بقصوره في جانب أعطى المزيني نفسه بعض الأولويات التي امتازت بها مسيرته العلمية والثقافية، فكان -كما يقول آخر- من صرفت له مكافأة الترقية من درجة علمية إلى درجة علمية أخرى في الجامعة وآخر الرؤساء المنتخبين لقسم اللغة العربية وآدابها في جامعة الملك سعود ومن آخر رؤساء الأقسام في الجامعة الذين جاءوا بانتخاب زملائهم لهم، إضافة إلى أنه صاحب أول من التحق بالدراسة الثانوية من أهل الحسا وأول من دخل الجامعة منهم وأول من حصل على الدكتوراه من تلك المنطقة وأول من رأس قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة الملك سعود من الذين تخرجوا من ذلك القسم!

أما الجدل الأكثر حضوراً في سيرة المزيني فقد ارتبط بصدور صحيفة الوطن التي كتب فيها عن الصحوة وقيادة المرأة للسيارة والأهلة ونقد التعليم ومكافحة الطائفية والتطرف الديني، ولعلّ من أبرزها المقالة التي رد فيها على الدكتور عبدالله البراك وحكم على المزيني فيها بالسجن والجلد إلاّ أنّ الحكم لم ينفذ بعد تدخل ديوان ولي العهد في تحويل القضايا الإعلامية إلى وزارة الثقافة والإعلام آنذاك، وكانت تلك القضية كما يقول المزيني سبباً في إيقاف الدعاوى ضد الصحفيين والكتاب السعوديين في المحاكم!