-A +A
خالد الجاسر
رافعاً شعار: «عش كأن لم يعش أحد قبلك، ولن يعيش أحد بعدك»، جملتان ترجمتا حادثتي نيوزيلندا، بيد برينتوت تارانت في (أَزْمَة واضطراب وفَوْضَى ومَرج).. لما يُخفيه أمثاله الآخرون في قلوبهم، فلا غرب ولا شرق، سَلمَ منها هنا وهناك، لتحيق بأبرياء عُزل، ولا حراك أمميا سوى كلمات جوفاء، ولا عزاء لحقوق الإنسان فيها بتجاوزاتها الدولية وسيرها بوتيرة خبيثة لنزع المسمار من نعشه الخشبي، فحينما عجزت المواجهات العسكرية والحلول الأمنية وحدها عن علاج ما يسمى بالإرهاب «العرض» وليس «المرض». كان الفشل للقوى العظمى، يلتف حولهم فرق ضالة في مُبتغاها للنهب والسلب وسفك الدماء بلا رحمة ولا دين، وبلا مراعاة لحرمات أو براءة طفل أو عجز شيخ ما.

وطالما كان الاهتمام هو فقط بمعالجة أعراض المرض من دون مواجهة فعلية له، فلا يمكن علاج المشكلة أو اقتلاعها من جذورها في خضم بلبلة من القيل والقال، يلُفها همجية الطغيان الدولي وبربرته الإعلامية، فإن كان «الإرهاب» هو العرض فإن «التطرف الديني» (أو الفكري) هو المرض الحقيقي الذي علينا أن نواجهه إن أردنا علاج المشكلة بصورة فعالة، وكثيراً ما نادت به دولنا العربية، وذلك بالطبع لا يُقلل على الإطلاق من ضرورة، بل وحتمية المواجهة المُسلحة والأمنية للمشكلة خاصة مع الإرهابيين المسلحين ممن يتشدقون بها، وينتعلون عبارة «نتشه» الشهيرة: «إن الرب مات، وبات على الإنسان السوبرمان أن يحكم هذا العالم»، لتأتي حادثة مفجعة لمسجدي كرايست تشيرش بنيوزيلندا الجمعة، بضحايا أولية أكثر من 49 شخصا، ليدهشني مجاهرته وبثه الحادث مباشرة على موقعه الخاص على الفيسبوك من مسجد النور، وصل تسجيله 17 دقيقة بواسطة كاميرا غو برو، دون أن يكترث لأي شيء، في ظل غياب أمني، مما يعني أن ذلك الوطن لم يَعتد على مثل تلك الحوادث، ولكن يا تارانت، لماذا لم تقم بها في وطنك الأسترالي أو وطنك من أبويك البريطانيين؟، كل ذلك ولم يع العالم الأوروبي بأنه نشر من قبل بيانا مثيرا حول معتقداته ونواياه يتألف من 94 صفحة، أو نحو 16 ألف كلمة، وهو من المعادين للمهاجرين، حيث عبر في حسابه على تويتر، عن غضبه من «الغزاة المسلمين» الذين يحتلون الأراضي الأوروبية، بل ويؤمن بتفوق العرق الأبيض.


شاب في عقده الثالث زاد العالم الغربي بتوجهاته الطين بلة، بفوضى هددت المجتمعات العربية وطالت مجتمعاتها الغربية بحوادث لا يسلاها ذاكر، كما تم في فرنسا وبريطانيا بل وألمانيا وأمريكا.. لأجل دراماتيكية من لا شيء! ينعمون ببيع السلاح وهو فيه هلاك، يتباهون بتقنياتهم الإعلامية كطوق نجاة أغرقونا بها، لتملأ فراغ أيامنا، وصاروا يلوكون بها ويتندمون على إطلاقها، ولتتسع دائرة الإرهاب، ويشهد المسرح الدولي نشاطاته الوحشية متجاوزةً حدود الدولة الواحدة، لتمتد إلى عدة دول آمنة، مُكتسبة بعنفها، وقهرها للإرادة الإنسانية، ومغالاتها في سفك الدماء، طابعاً عالمياً، لتُوصم بحق جريمة حيوية في مجال العلاقات الإنسانية، متخذةً من الأرواح قضايا تُسيس لمصالح هي كسراب الماء في صحراء جرداء.

وقفة: نحن بحاجة للبحث عمن يؤمن بما نؤمن به، لا لمن يصارعون خيباتهم قبل أن يهربوا إلى أجلاف أو عُبّاد هم لعُوق للإخوان والدولار وأشباههما، فلم تعد السياسة سياسة ولا الدين ديناً، ويحمون اليهود وكنائسهم في أكبر مدنهم، بل وتتلاعب بالإسلام والمسلمين.. تلك الهمجية لا حاجة لها بالدين، فلتذهب إلى شيطانها بالدرك الأسفل من النار.

* كاتب سعودي

Khalid_Aljasir@