-A +A
صدقة يحيى فاضل
من ضمن اللجان والوكالات الكبرى التي أنشأتها منظمة الأمم المتحدة: «وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأوسط» (UNRWA). وهذه الوكالة يفترض أن تقدم المساعدة والحماية والدعم للاجئين الفلسطينيين الذين يقيمون في الأردن وسوريا ولبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة. وقد أنشأت «الاونروا» عقب احتلال الصهاينة لثلاثة أرباع فلسطين، وقيام إسرائيل عام 1948م. إذ تم تأسيسها بموجب القرار رقم 302 للجمعية العامة للأمم المتحدة، الصادر يوم 8 ديسمبر 1949م، وبدأت أعمالها في شهر أبريل 1950م. ومعروف أنه عقب الحرب العربية - الإسرائيلية عام 1948م، تدفق آلاف من الفلسطينيين كلاجئين للدول المجاورة، وداخل فلسطين نفسها.

تم تأسيس هذه الوكالة كإجراء مؤقت، ريثما يتم التوصل إلى حل للنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، ونظراً لاستمرار هذا النزاع، عملت الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبشكل متكرر، على تجديد ولاية «الاونروا». وكان آخر تمديد لهذه الوكالة قد انتهى يوم 20/‏ 6/‏ 2017م. وهناك الآن من يدعو لإنهائها، ووقف نشاطها، بحجج واهية، منها اتهام هذه الوكالة بأنها فاسدة، و«تسهم في دعم الإرهاب»...!


***

ومعروف أن هذه الوكالة تعيش وتمول من التبرعات والهبات التي تقدمها لها الدول والمنظمات الدولية. وأهم ما تقدمه من خدمات هي: التعليم، والرعاية الصحية الأولية، ودعم البنية التحتية، والدعم المجتمعي لسكان مخيمات اللاجئين. وقد قدمت خدمات متواضعة جدّاً للمستهدفين على مدار سبعة عقود، شملت أربعة أجيال من لاجئي فلسطين. وفي عرف الوكالة، فان «اللاجئ الفلسطيني» هو: «الشخص الذي كانت فلسطين مكان إقامته الطبيعي، خلال الفترة من يونيو 1946م حتى مايو 1948م، والذي فقد منزله ومورد رزقه، نتيجة قيام إسرائيل سنة 1948م».

وتقدم الوكالة خدماتها لكل من ينطبق عليهم هذا التعريف في الملاجئ التي يتواجدون فيها. وفي بداية عملها، كانت تقدم خدماتها لما يقرب من 750 ألف لاجئ فلسطيني. أما الآن فإن المشمولين برعايتها يصل تعدادهم لحوالي خمسة ملايين. وهذا العدد في تزايد. وبالطبع، فإن هذه الزيادة في تعداد اللاجئين المحتاجين هي نتيجة نمو المواليد الفلسطينيين الطبيعي خلال العقود السبعة الماضية، وعدم حل مشكلتهم حتى الآن. وفي الوقت الذي تتزايد فيه حاجة الفلسطينيين، وعدد المحتاجين منهم، وتتناقص موارد هذه الوكالة، يستغرب أن يصر البعض على تقليص ميزانية هذه الوكالة، وتفكيكها.

***

تقول بعض الإحصاءات العالمية إن تعداد الشعب الفلسطيني (2017م) هو حوالي 13 مليون نسمة، منهم سبعة ملايين يقيمون الآن في الشتات، ومعظمهم يقيم اضطراراً خارج أرضه فلسطين. بينما يوجد في فلسطين التاريخية حوالى 6 ملايين فلسطيني، يقيمون تحت نير الاحتلال العنصري الإسرائيلي. منهم مليون ونصف في فلسطين 1948م، وأربعة ملايين ونصف في كل من الضفة الغربية وغزة.

ويعيش حوالى 1.4 مليون لاجئ فلسطيني في 58 مخيماً للاجئين، في كل من سوريا والأردن ولبنان والضفة الغربية وقطاع غزة. وهذا العدد يمثل ثلث اللاجئين الفلسطينيين. أما الثلثان الآخران، فإنهم يعيشون داخل القرى والمدن وحولها في الدول المجاورة المضيفة، وغيرها. وتوجد منشآت الوكالة، كالمدارس والعيادات الصحية، داخل مخيمات اللاجئين وخارجها. ومعروف أن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في كل من هذه المخيمات تتميز بالفقر المدقع، والكثافة السكانية في بنية تحتية مهترئة وغير ملائمة صحياً.

وهناك أبحاث علمية تشير إلى أن غالبية الفلسطينيين المتواجدين خارج فلسطين يتمنون «العودة» إلى بلادهم. فالعودة لمسقط الرأس تعني لهم الكثير. ولا شك، أن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين مشكلة إنسانية ودولية كبرى (مسؤول عنها كل المجتمع الدولي) طال انتظار حل مناسب لها. وقد أخذت تتفاقم، وقد تصل قريباً لحد لا تحمد عقباه. وفي ذلك تهديد جديد - قديم للأمن والاستقرار بالمنطقة العربية.

***

وبدلاً من محاولة حل هذه المشكلة/‏ المأساة من جذورها، ومن ثم إنهاء الحاجة لهذه الوكالة، تثار الآن دعوة لإلغاء «الاونروا»، أو وقف تمويلها، ومن ثم تصعيد معاناة الفلسطينيين، رغم تواضع ما تقدمه من خدمات للفلسطينيين، الذين سيدفعهم ذلك نحو المزيد من الفقر والعوز والإحباط. فقبل أشهر، خفضت الإدارة الأمريكية الحالية 300 مليون دولار من دعمها السنوي المعتاد، وهو 350 مليون دولار. ثم قرر الرئيس الأمريكي ترمب مؤخراً وقف التمويل المخصص لهذه الوكالة تماماً. وهذا سيؤدي إلى حرمان اللاجئين الفلسطينيين من وسيلة الأمان الاجتماعي الوحيدة والبسيطة التي تساعدهم على البقاء فقط، سواء في ظل الاحتلال الإسرائيلي، أو في حالة النزوح خارج فلسطين.

ورغم عجز مالي يقدر بـ 200 مليون دولار، إلا أن «الاونروا» فتحت المدارس التابعة لها في الوقت المحدد لبدء الدراسة (يوم 28/‏ 8/‏ 2018م) مستقبلة 526 ألف طالب وطالبة، يدرسون في 711 مدرسة تابعة للوكالة، في كل من سوريا ولبنان والأردن وفلسطين. وذلك بفضل قيام بعض المانحين بزيادة تبرعاتهم للوكالة.

لا يستغرب أن يأتي طلب إلغاء هذه الوسيلة المتواضعة لمساعدة الفلسطينيين من الجهة التي تقف وراء ما يعاني منه هذا الشعب منذ سبعة عقود من تنكيل وقتل وتشريد على يد إسرائيل، التي تستمد بقاءها ووجودها من الدعم الأمريكي الأعمى لعدوانها المشهود على شعب بأكمله، ولعربدتها بالمنطقة.

* كاتب سعودي