-A +A
صدقة يحيى فاضل
كما هو معروف، تأسست الولايات المتحدة عام 1789م، أي قبل 229 عاماً. وهذه الدولة قضت حوالى 93% من عمرها هذا وهي تخوض حروباً (نحو 90 حرباً، أغلبها بالتعاون مع «وكلاء» محليين) ضد دول وجماعات خارج حدودها، بدءاً من حربها ضد نيكاراجوا عام 1833م، وحتى حروبها في سوريا والعراق وأفغانستان، وغيرهم.

وما زالت الدولة الوحيدة التي استخدمت السلاح النووي بالفعل. إذ قصفت أمريكا مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين، بقنبلتين ذريتين، قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945م. وفقد حوالى 220 ألف شخص حياتهم نتيجة لإلقاء هاتين القنبلتين. ومنذ انتهاء تلك الحرب، وخروج الولايات المتحدة منتصرة، عسكرياً وسياسياً، وظهورها كدولة عظمى، أمسى جنرالات الحرب الأمريكيون منتشين بما تحقق لبلادهم من نصر ومكانة، وبدأوا - رغبة في مزيد من الهيمنة - يندفعون لشن حروب عدة، آملين تحقيق انتصارات سهلة فيها. ولكن النتائج النهائية لمعظم هذه الحروب أتت مخيبة لآمال هؤلاء العسكر (ومن توقع النصر منهم) رغم أنهم يديرون أفضل وأقوى جيش في العالم...؟!


شنت الولايات المتحدة حروباً أقليمية كثيرة. إذ خاض جيشها 41 حرباً في 28 دولة، منذ العام 1945م، حتى الآن. ومعظم هذه الحروب انتهت بكوارث ألحقت بالبلاد التي شنت عليها وفيها، وعادت على أمريكا نفسها بشيء من الخسران. وقديما قيل: «لا منتصر في الحروب»... للدلالة على ما ينجم عن الحروب من مآسٍ لكل أطرافها، مهما كانت قوة هذه الأطراف. الأمر الذي يجعل من الدفع بالتي هي أحسن (سلماً / سياسياً) هو الخيار المنطقي والأفضل في حالة تسوية الخلافات والصراعات، سواء في ذلك الدولية أو الشخصية. وهذا القول تثبته هذه الحروب الأمريكية بقوة. لم يتحقق من بعضها سوى الفوضى، وخروج القوات الأمريكية بعيد انتهاء هذه المهمة، محبطة.

***

كل ذلك دفع الكثير من المراقبين، الأمريكيين وغيرهم، إلى التساؤل: كيف يهزم أقوى جيوش العالم، وأكثرها كفاءة وتجهيزاً، وعدة وعتاداً، ولا يحقق انتصاراً حاسماً، وعلى يد قوات بدائية وأضعف منه بمراحل؟! وقد كتب عدة خبراء ومحللين عسكريين وسياسيين عن هذا الموضوع، متسائلين ومستغربين، منهم «أرنولد ايساكس» الصحفي الأمريكي المخضرم المتخصص في تغطية حروب أمريكا، بدءاً من حرب فيتنام، وحتى الحرب في العراق وسوريا.

في أفغانستان، وبعد 18 عاماً من التدخل العسكري الأمريكي، وشن حرب شعواء ضد «طالبان» و«القاعدة»، ما زالت الحكومة التي تدعمها أمريكا لا تسيطر على أغلب أرجاء البلاد. وما زالت «طالبان» مهيمنة على جزء كبير من أفغانستان، متمردة على حكومة كابل، وساعية للإطاحة بها. ولولا تحصينات مكثفة حول العاصمة كابل، لسقطت في يد «الثوار» منذ سنوات.

مؤخراً، في أبريل 2018م، قام قائد أركان الجيش الأمريكي، جنرال المارينز «جوزيف دنفورد»، بزيارة استغرقت خمسة أيام للقوات الأمريكية في أفغانستان. وفي نهاية زيارته تلك، عقد مؤتمراً صحفياً، قال فيه لمراسل «أسوشيتدبرس»: إننا «هذه المرة، نظن أننا نعمل صح». بمعنى: أن الترتيبات الأمريكية العسكرية والسياسية السابقة لم تجدِ نفعاً، وأن «ترتيبات جديدة» ستحقق الأهداف الأمريكية، وتضمن سيطرة الحكومة الأفغانية على كل البلاد. علماً بأن «ايساكس» يقول إنه لا يرى جديداً...!

***

التاريخ السياسي والعسكري المعاصر يؤكد لنا أنه عندما تأخذ أمريكا القانون في يدها، وتتدخل عسكريا في أي بلد، فغالباً ما ينتهي هذا التدخل بالتدمير الممنهج، والفوضى السياسية. هناك استثناءات محدودة، منها: التدخل الأمريكي ضد صربيا. ولعل أبرز الأمثلة على التدخل السلبي ما حصل في كل من: فيتنام والصومال وأفغانستان والعراق، وغيرها. وستكون لنا وقفة لاحقة مع حربي أمريكا في كل من فيتنام، والعراق.

ولنكرر، في نهاية هذا المقال، التساؤل: لماذا تنتهي معظم التدخلات العسكرية الأمريكية، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، بما تنتهي عليه عادة من تدمير وفشل وإحباط؟! ونجتهد للإجابة العامة على هذا التساؤل فيما يلي.

السبب الرئيس لهذه النتائج المأساوية لمعظم تدخلات أمريكا العسكرية، يعود إلى خلل واضح في السياسة الخارجية الأمريكية بعامة. أما أهم أسباب هذا الخلل، في رأينا، فهي:

1 - وقوف أمريكا في بعض الصراعات مع الجانب الخاطئ.

2 - التدخل تحت ضغوط بعض جماعات المصالح (جماعات الضغط) الأمريكية. وهي جماعات لا تمثل إلا قلة قليلة من الشعب الأمريكي. ولعل أبرز هذه الجماعات كل من: التحالف العسكري - الصناعي (The Military – Industrial Complex)، واللوبي الصهيوني (IPAC).

3 - التدخل غالبا بمعزل عن إرادة منظمة الأمم المتحدة، والقانون الدولي.

4 - عدم حرص الاستراتيجيين الأمريكيين على تطبيق تصور منطقي بناء ومقبول لما يجب عمله قبل وأثناء وبعد التدخل.

قد يغفر للدولة العظمى كل ما تعمله، كما يظن البعض. ولكن، من الصعب أن يغفر لأي طرف إنزال ظلم بآخر، دون مبررات حقيقية. ولا يمكن قبول مبدأ «لأستفد، حتى لو تضرر آخرون»، طالما يمكن - بدلا عن ذلك - تطبيق مبدأ «لأستفد، وأفد الآخرين».

* كاتب سعودي