-A +A
محمد أحمد الحساني
جاء في الأثر أن من علامات الساعة كثرة موت الفجاءة، ولذلك أخذ الناس يربطون بين ما يصلهم من أخبار وما ينقل إليهم بواسطة عيون مواقع التواصل من وفيات حصلت لرجال أو نساء بطريقة موت الفجاءة، وكان منها لقطة فيديو لقارئ آسيوي حافظ للقرآن الكريم كان يشارك في مسابقة إقليمية ويتلو آيات من سورة الملك بصوته الشجي فلما وصل إلى الآية الثانية من السورة التي تتحدث عن خلق الله للموت والحياة تقطعت أنفاسه فجأة واختنق صوته وترنح ليسقط أمام جميع الحضور جثة هامدة، وكان آخر ما وصلني على الواتساب عشرين لقطة حية على الهواء لمشاهير ماتوا فجأة منهم مصارع ضخم ضرب خصمه حتى دمره ثم سقط ميتاً قبل أن يحتفل بانتصاره بينما قام خصمه المهزوم ينفض عن نفسه غبار الهزيمة وهو فرح بالحياة.

ومن غرائب ما مر بي في هذا المجال أنني كنت ذات عام في رحلة عمل إلى فنزويلا برفقة زميل من رابطة العالم الإسلامي فتجاذبت معه أطراف الحديث عن الحياة والأحياء وأنه يعقب الشباب والصحة هرم ومرض وآلام وموت، مفضلاً أن يكون الموت خفيفاً ومفاجئاً، فاعترض على قولي وأخذ يشرح ما لموت الفجاءة من فجيعة على أهل المتوفى، وأنه قد يحرم من لحظة استغفار وتمحيص لذنوبه ورفع لدرجاته لقاء صبره فيما لو ابتلي الإنسان بالأمراض قبل وفاته فاحتسب وصبر، فإما أن يكون في ذلك تمحيص للذنب أو رفع للدرجة، فوافقته على ما قاله، ولكن المفاجأة أنه نفسه قد مات فجأة وهو في كامل حيويته وعطائه، والأعجب من ذلك أنه جمع أوراقه وملفاته الخاصة في نهاية دوام الأسبوع وكأنه يودع عمله وزملاءه وسافر إلى الرياض حيث أسرته وبنوه ليموت بعد وصوله إلى العاصمة بساعات، لأنه مكتوب في سجله بالأزل أنه يموت موت فجاءة.


أما أحد الزملاء في الصحافة فقد تمنى موت الفجاءة، لأنه على حد قوله لا يريد أن يتعب أحداً بمرضه وعجزه، وقد سمعته مراراً يصرح بأمنيته وهو في كامل صحته، فأقول له: اذكر الله يا ابن الحلال، فيرد علي قائلاً ما دام الموت هو نهاية المطاف فلماذا أَتعب وأُتعب الناس.. فكان له ما تمناه؟!

وعندما كنت في العاشرة من عمري كان في الحارة حلاق مسن، ولم يكن في المسجد المجاور لمحله دورات مياه، فكان الناس يتوضأون بالأباريق، فكنت أسمعه يقول عندما أمرّ به وهو يتوضأ: يا رب خفيفة.. لطيفة. ولم أكن أعي معنى عبارته حتى قيل لي بعد ذلك إنه كان يتوضأ لصلاة المغرب ويردد العبارة نفسها فما أكمل وضوءه حتى خر جثة هامدة، فذكرت ذلك لوالدي الذي كان دكانه بجوار دكان الحلاق وحضر جنازته، فهتف قائلاً: سبحان الحي الذي لا يموت.

وهناك حالات عديدة لموت فجاءة سبق أن سجلتها عدسات المصورين وكاميرات الفيديو والجوالات ولكن ما ساهم في نشر الجديد منها تناقلها عن طريق وسائل التواصل، فأصبح لا يمر يوم وآخر إلا ويتم نشر حالة أو حالات لموت فجاءة، وتكون عملية النقل حية على الهواء، ليكون في ذلك تجسيد لما جاء في الأثر، وليصبح قرب قيام الساعة هاجس الكثير من الأحياء!