-A +A
محمد الساعد
هذه رسالة عتب من مواطن سعودي يعيش في صحراء الجزيرة العربية، إلى الشعب اللبناني الفينيقي الذي يعيش فوق جبال الماء والأرز السورية، ويا للمصادفة هذا «المواطن» مثل ملايين السعوديين اعتبركم ذات يوم أشقاء.

سأقول لكم بعض الأسرار التي ربما غابت عنكم وأنتم تكتبون الشتائم وترفعون أصواتكم في قنواتكم الفضائية بالنيابة عن إيران وقطر وحزب الله الذي استباحكم وحولكم إلى عبيد على عتبات الضاحية.


عندما قدم منكم أكثر من مليوني لبناني عاشوا في السعودية على مدى 50 عاما مضت، كنا لطفاء لدرجة أن بنينا لكم «الكمباوندات» - وهي لمن لا يعرفها مجمعات سكنية خاصة -، لتعيشوا فيها على راحتكم وبأسلوبكم، لم تكن تعجبكم منازلنا ولا حاراتنا كما بقية إخوتنا المقيمين، عشتم مع الغربيين منفصلين عنا كأنكم جزر معزولة، فلم تعرفونا ولم تسمحوا لنا أن نعرفكم عن قرب.

اسألوا مغتربيكم ماذا فعلنا معهم في شركاتنا، أعطيناهم أفضلية العمل والتوظيف حتى على الغربيين، واعتبرناهم خبراء يمكن الاعتماد عليهم، كنا نراهم أقرب لنا منهم، بالرغم من أن أولئك الغربيين بنوا وأسسوا واكتشفوا النفط، إلا أننا لم نسمع منهم كلمة احتقار ولا تمنن.

عند الحديث عن القومية العربية علينا أن نتذكر جميعا أن لبنان ليس سوى جزء صغير من سورية الكبرى، وأن الاحتلال الفرنسي «البغيض» هو من قسم سورية واقتطع هذا الجزء الغالي منها وسلمه لفصائل متناحرة بقيت لليوم تعيش على تناقضات الخلاف في المنطقة والاستفادة منها ماليا.

إنني على يقين أن حارس المواخير الوزير السابق عضو مجلس النواب اللبناني وئام وهاب، الذي لم يترك الأحياء منا ولا الأموات ولم يتعرض لهم، وكذلك زعيم الدروز وليد بيك وكثيرون مثلهم من سياسيين ومثقفين وإعلاميين من بقايا رجيع اليسار، قادرون على إقناع بقية الطوائف «اللبنانية» التي تقطن جبل لبنان بأهمية العودة لدولة الشام الكبرى، قبل أن يعطونا دروسا في العروبة ويمطرونا بنصائحهم في السياسة والإقليم.

خلال خمسة عقود على الأقل كانت لبنان مسرحا للعمل الدولي المخابراتي، بل بقيت المتنفس الأهم لكل قضايا المنطقة ووجدت مقاولين مستعدين لبيع كل ما يملكونه من أجل الدولارات.

اليوم يتعالى علينا بعض مثقفي وسياسيي لبنان مسيحيين ومسلمين، بأننا أعراب وبدو نركب الجمال ونسكن الخيام، وهذه حقيقة يتقاطع معها الجميع، فاللبنانيون قبل 60 عاما لا أكثر، كانوا يركبون البغال والحمير ويسكنون البيوت الطينية كما أغلب الفلاحين والمزارعين.

ولنتذكر ما دونه الرحالة الغربيون عن بيوت اللبنانيين وبساطتها وتواضعها، ففيها ما يغني عن الشرح، فلا هم الذين اخترعوا الطائرات ولا هم الذين ابتكروا الاسبرين، هم مثلنا مستهلكون لا أكثر لما تنتجه الحضارة الغربية، هذا لا يعيبهم أبدا كما لا يعيبنا نحن أيضا.

وللأمانة فالجزيرة العربية التي تحوي السعودية 90% من مساحتها، أرض جدباء في أغلبها لا تسر الناظرين لا ماء فيها ولا أنهر ولا عيون، وحتى أمطارنا التي تهطل نادرا تأتي متطرفة لا تناسب صحراءنا، ومع ذلك بذلنا طوال 7000 عام هو عمر الاستيطان البشري في هذه الأراضي القاحلة أقصى ما يمكن للبقاء أحياء طاهرين مستقلين من رجس الاحتلال كما بقايا الدماء الفرنسية والإنجليزية في عروقكم، ولقد نجحنا وفشلتم.

نعم نحن لا نتحدث الإنجليزية ولا الفرنسية بطلاقة مثلكم أنتم أبناء الحضارات المتعاقبة على بلادكم، لكن يبدو أن البعض منكم نسي أنه تباكى على أعتاب الإليزيه لكي لا يغادر جنودهم منازلكم وشوارعكم.

هذه الرسالة ليست للشرفاء والمحبين الذين اقتسمنا معهم حياتنا وسياستنا وبذلنا كل ما نستطيع لنحمي وجودهم، منذ تبنينا قوات الردع العربية في قمة الرياض 1976 التي ساهمت في تخفيف الحرب الأهلية، مرورا باتفاق الطائف 1990 الذي أعاد لبنان للخريطة العربية والدولية، وليس انتهاء بإعمار لبنان من محطات الكهرباء للمطار والسولدير إلى المدارس والمنازل، وأخيرا حماية المغلوبين من قهر حزب الله منذ اغتيال رفيق الحريري 2005، مرورا بحرب 2006 التي تسبب فيها حزب الممانعة، وأخيرا اجتياح بيروت والجبل على أيدي الحزب الطائفي نفسه 2008.

أخيرا سنرفع أصواتنا عاليا لنقول لكم: إن السعودية ستبقى أولا، ومكة والرياض وأبها والطائف هي أغلى من بيروت والضاحية وجونية وكل شبر في لبنان، ودماء جنودنا الشهداء والمصابين على الحد الجنوبي، هي أطهر وأغلى من قتلاكم في جنوبكم مهما قلتم ومهما زايدتم، وسنبقى بدوا رحلا نسعى لبناء حضارتنا من القدية وسط نجد إلى نيوم على بحرنا الأحمر، وستبقون مزارعين سوريين تعيشون في جبل لبنان مهما تحدثتم بالفرنسية.