-A +A
عزيزة المانع
يقول علماء النفس والتربية، إن التحفيز على العمل الطيب بالتعزيز أكثر جدوى من التحفيز بالتوبيخ واللوم على التقصير، فإن إردت أن تعين طفلك على الالتزام بالصدق مثلا، ابتعد عن توبيخه كلما كذب أو وصفه بالكذاب، بدلا من ذلك اعمد إلى الثناء عليه في كل مرة يصدق فيها وصفه بالصادق واشعره بثقتك في صدقه، تجده مع الأيام يزداد صدقا وحرصا على تجنب الكذب.

التعزيز يرفع المعنويات ويحسن نظرة الإنسان إلى ذاته ويجعله يستشعر لذة ما يقوم به من عمل ينال عليه الرضا؛ لذا فإن أسلوب التعزيز هو أفضل ما يتبع في تشجيع الناس على العمل الطيب.


لكن كثيرا من الوعاظ يميلون إلى أسلوب التوبيخ واللوم على التقصير في العبادة، ظنا منهم أن ذلك يحفز الناس على التقوى والتزود بالطاعات، هم لا يدرون أنهم بذلك يحبطون الناس بالتقليل من شأن ما يقومون به من العبادات، ويورثونهم الشعور المستمر بالذنب والإحساس بالتقصير، فتنفطر قلوبهم خوفا من لقاء ربهم، بدلا من أن يشعروا بالأمان والراحة.

وقد أعجبني فيديو لرجل من عامة الناس يعاتب فيه الوعاظ الذين اعتادوا توديع شهر رمضان بالبكاء والنحيب وإعلان الأسى والحزن على فراقه، فيضيعون على الناس فرحتهم بنعمة إتمام الصيام، ويحرمونهم من التوجه إلى الله بالحمد والشكر أن أعانهم على صيام الشهر وقيامه.

ما يقوله هذا الرجل لا يقتصر على توديع رمضان بالبكاء، وإنما هو يمتد ليشمل حالات أخرى مشابهة، مثل التخويف من أن تكون العبادة غير مقبولة، وما زلت أذكر تلك الصدمة التي تلقيتها وأنا طفلة ربما في الثامنة أو التاسعة من العمر، وذلك حين سمعت امرأة تقول: «يا بنتي الواحد يصلي لكن ما يدري إن كان ربنا يقبل صلاته ولا لا».

في تلك السن الصغيرة، اخترقت تلك العبارة سمعي كصاعقة، أثارت في مشاعر مختلطة من الغضب والإحباط، لم لا يقبل ربنا صلاتنا؟ إن كان لا يقبلها لم إذن نصلي ونتعب أنفسنا؟ أين العدل، هل نصلي ثم نصير كأولئك الذين لايصلون؟

كان هذا رد فعل الطفلة عند سماع تلك العبارة المحبطة، ولولا إنها وجدت فيما بعد من أرشدها للحق لربما كانت اليوم من الضالين بسبب تلك المرأة، التي وإن كانت تهدف إلى النصح بإتقان الصلاة وعدم تأديتها كحركات بلا خشوع وحضور قلب، إلا أنها أخطأت الطريق فكادت تهلك من يستمع لها!

أسلوب الوعظ بالتخويف والتقليل من شأن عبادة العابدين، ليس وليد هذا العصر، هو موروث ثقافي يحفظه الوعاظ ضمن ما يحفظون من المضامين التي درسوها في كتب الوعظ القديمة، وقد آن الأوان أن يكون لدينا جيل جديد من الوعاظ يعدون بطريقة مختلفة تجعلهم أكثر تأثيرا وتجعل لقولهم موقعا أعمق في النفوس.

azman3075@gmail.com