-A +A
أنمار مطاوع
تشير الدراسات الحديثة لعلوم الاتصال والاجتماع وعلم النفس إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي مليئة بعبارات وكلمات جارحة وخادشة للأخلاق، ومليئة بأفكار ومواقف بعيدة عن النبل، ومليئة بتصرفات مخزية لا تليق بكرام النفوس.. أكثر مما هو موجود في العالم الحقيقي الذي يحدث فيه التواصل وجها لوجه.

ما تؤكده الدراسات في هذا الجانب تحديدا هو أن الفرد الرقمي -أي المنتمي لعالم التواصل الاجتماعي السيليكوني- بسبب تغيُّر طبيعة التواصل؛ من مواجهة شخصية إلى مواجهة أشبه بالميتافيزيقية -أي العالم الخفي- ينفصل عن الرادع الأخلاقي تماما.. خصوصا لو كان شخصية وهمية أو اسما مستعارا.


وبالإضافة إلى هذا الانفصال الأخلاقي، يتفاقم في البيئة الرقمية سلوك التنمُّر والرغبة الجامحة في إيذاء الآخرين، إذ يقل مستوى تحمل مسؤولية الأفعال مهما كانت متنافية مع الفضيلة. فما يرتكبه المواطن الرقمي من سلوكيات سلبية في العالم الافتراضي هي سلوكيات -معروفة مسبقا- أن ليس لها عواقب، خصوصا لأصحاب الأسماء الوهمية. وهؤلاء -أي أصحاب الأسماء الوهمية والشخصيات الافتراضية غير مكشوفة الهوية- قادرون على بث معلومات خاطئة وربما تحمل قذفا صريحا لأفراد بعينهم عبر تغريدات، وقادرون أيضا على تحويل الهاشتاقات إلى تريندات في أقل من ساعة، مما يرفع من حماس الغوغاء ويدفعهم لمزيد من الممارسات غير الأخلاقية المؤذية لعباد الله دون إحساس بدونية ما صدر منهم من أفعال.

هذه المعضلة يقف علماء الاتصال والاجتماع وعلم النفس أمامها دون القدرة على التحكم الكامل فيها. فالتواصل الاجتماعي يزيل الحواجز الرادعة للسلوك السلبي ويُظهر الرغبات الإنسانية القبيحة في داخل الفرد. أي شخص يريد أن يعرف نفسه على حقيقتها، عليه أن ينظر إلى مشاركاته في وسائل التواصل الاجتماعي وعباراته التي يستخدمها وأساليبه التي يتبعها داخل هذا العالم الافتراضي.. وسوف يتكشف له ما إذا كان يحمل في رأسه باقات مختارة من عطر المسك.. أم مرمى نفايات يؤذي به خلق الله الذين لا ذنب لهم سوى أن مرمى النفايات عرف طريقه إلى وسائل التواصل الاجتماعي ودخل العالم الرقمي.