-A +A
أنمار مطاوع
المؤسسات التعليمية بصيغتها الأكاديمية والتنظيمية أنشئت في أساسها -منذ عهد أفلاطون- لتكون مؤسسات ذات نطاق فكري مستقل يُبنى على غايات سامية ومثل عليا. والأهداف التي تضعها هذه المؤسسات تأتي ملائمة لتحقيق تلك الغايات والمثل في ذات النطاق الفكري الفاضل.

الجامعات هي الامتداد النهائي والأخير لسلسلة المؤسسات التعليمية، وبالتالي، نطاقها الفكري يتوسع ويرتقي لأبعد مدى؛ فهو النقطة الفاصلة بين الحياة التعليمية والحياة العملية.


معظم الجامعات أصيبت بهوس التصنيف العالمي، الذي أصبح بدوره يتحكم في كل أنشطتها -بدون استثناء-. وتحول الهدف من العملية التعليمية والاهتمام بها إلى مؤامرة أكاديمية يشترك فيها الجميع من أجل الحصول على تقييم عال في قائمة التصنيف العالمي، وإن جاء على حساب الطالب والطالبة أو العملية التعليمية برمتها. بل في بعض الأحيان، تتم عمليات تدليس وتزوير وتغيير للواقع من أجل الحصول على ذلك التصنيف.

ما تقدمه الجامعات من أنشطة صفية أو لا صفية له أهداف رائعة تضعها كل جامعة على أوراقها ومواقعها الإلكترونية. بدءا من رفع كفاءة الطالب وتدريبه على التكيف مع المجموعة وبناء شخصيته الجامعية.. وانتهاء بنشر الوعي الثقافي والأدبي والفني والرياضي.. مرورا بتعزيز الانتماء للإنسانية وتبادل السلوك الإنساني مع الآخرين.. كل هذه الأهداف مطلب لا غبار عليه، وحق مشروع للجميع، فالأنشطة الصفية أو اللاصفية توضع في إطار الحياة الجامعية لتنمية الذكاء الاجتماعي وصناعة الإنسان المواطن الصالح.. لكن الآلية يجب أن ترتقي لهذا المستوى الطموح من الأهداف أيضا. فالغاية لا تبرر الوسيلة. التفوق على الآخرين وحصد الجوائز والارتقاء في التصنيف لا يجب أن يجرف الأهداف ليصبح كل أولئك هو المحصلة النهائية من الأنشطة الطلابية دون النظر للغايات السامية والمثل العليا التي تضعها تلك الجامعات على مواقعها الإلكترونية.

يجب أن تعيد كل المؤسسات التعليمية -وعلى رأسها الجامعات- النظر في آليات تحقيق تلك الأهداف. ليس المطلوب تغيير الأهداف.. فعلى المستوى النظري، لا يمكن أن تأتي بعبارات أجمل من الموجود على مواقعها وأوراقها الرسمية، ولكن المطلوب هو الآلية التي يتم بها تطبيق تلك الأهداف.

عبارة يجب أن تضيفها المؤسسات التعليمية في صفحات أنشطتها: حصد الجوائز ليس الهدف من الأنشطة، ولكن الهدف هو المثل العليا والغايات السامية والنطاق الفكري الراقي الذي يتحقق خلال المسيرة.