-A +A
عزيزة المانع
أذكر حين كنت في المرحلة الابتدائية، كنا نتدرب على الخط في كراسات مخصصة لذلك مدون على صفحاتها بخطي النسخ والرقعة، حكم وأمثال ومواعظ، نقوم بتقليدها والكتابة وفق قواعدها. في الواقع، لم يكن دور تلك الكراسات مقتصرا على تعليم الخط، فما كان مدونا فيها من العبارات يحمل بعضه قيما أخلاقية تظل راسخة في الذاكرة، وتتغلغل في أعماق النفس حتى وإن عجز الإدراك الطفولي آنذاك عن بلوغ المعنى المراد في كثير منها.

من تلك العبارات أذكر عبارة (اضحك، تضحك لك الدنيا). في سن الطفولة لم يكن يبدو لهذه العبارة معنى ذو قيمة، فالطفل بطبيعته كثير الضحك، يضحك لأتفه الأشياء، ولا يستشعر عبوس الدنيا في وجهه حتى وإن عبست.


يكبر الطفل متجاوزا سن الطفولة، لكن تلك العبارة لا تتجاوز ذاكرته، تبقى معه، تظل تطرق سمعه (اضحك تضحك لك الدنيا)! في هذه السن ما بين الطفولة والشباب، تبدأ مرحلة التهكم والتندر، ما معنى أن تضحك لي الدنيا؟ هل مشكلاتي ستحل بمجرد أن أضحك؟ ما أكثر ما ضحكت ولكن المشكلات لم تختفِ وما زالت باقية على حالها، فتسقط العبارة متدحرجة إلى قاع اللامعنى!

في سن النضج، تشرق الشمس على البصيرة، فيتبين جليا عمق ما في تلك العبارة من معنى، ويتضح لماذا يحرص علماء النفس والاجتماع وأمثالهم من المعنيين بتطوير الذات على تشجيع الناس على الابتسام والابتعاد عن العبوس، وماذا يعني حقيقة (أن تضحك لك الدنيا).

حسب ما تقوله بعض الدراسات الاجتماعية وجد أن المبتسمين يكونون غالبا أكثر حماسة للعمل وأشد إقبالا عليه وأكثر إنجازا ونشاطا، كما أنهم يبدون أكثر قوة وثباتا في مواجهة التحديات، وأكثر قدرة على حمل المسؤولية فيكونون أجدر بالثقة والاعتماد عليهم، ومن ثم تزيد عندهم احتمالات النجاح في الحياة.

زيادة احتمالات النجاح في الحياة لا تعني النجاح في العمل وكسب المال أو الارتقاء في المناصب فحسب، وإنما أهم من ذلك تحقيق النجاح في معظم جوانب الحياة، تحقيق النجاح في العلاقة مع الذات، ومع الخالق، وداخل الأسرة، ومع الأصدقاء والناس جميعا.

ولكن، ما الذي يجعل بعض الناس مبتسمين وبعضهم عابسين مقطبين؟ هل الناس يبتسمون لأنهم سعداء، أم هم سعداء لأنهم يبتسمون؟ لو مضينا نحصي الوجوه الباسمة والأخرى العابسة في المدارس والمساجد وأماكن العمل والأسواق وغيرها، لهالنا كثرة ما نراه من العابسين في مقابل المبتسمين! فهل جميع أولئك العابسين من الأشقياء؟

إني استبعد ذلك، وما أرجحه هو أن التجهم والابتسام، عادة وأسلوب تنشئة وثقافة مجتمع، هناك مجتمعات تشجع الابتسام وترحب به، وأخرى تقدم التجهم والقطوب ترى في ذلك حصانة وبعدا عن الابتذال. كما أن هناك أسرا تتوارث التجهم فيما بينها، وأخرى تتوارث الابتسام. وغالبا الأسر التي تتوارث الابتسام، تكون في طبيعتها متسامحة لا تحسد ولا تغار وتحسن الظن بالآخرين فتعيش في سلام مع ذاتها ينعكس ابتساما على وجهها.