-A +A
محمد العصيمي
في أصل الإعلام ومدارسه ومناهجه القديمة والحديثة أن الإعلامي رقيب على الدولة ومحام عن حقوق الناس وناقل لرأيه الشخصي في قضايا الوطن والمواطنين، وفي شتى القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية... إلخ. ومتى أصبح هذا (الإعلامي) صوتاً للدولة ومروجاً لوجهة نظرها ومقدماً نفسه بأنه يمثلها فإنه يصبح موظف دولة وليس إعلاميا.

المشكلة في العالم العربي، وأظن أن ذلك بدأ مع العهد الناصري، أن إعلاميين كسبوا حظوة دائمة أو مؤقتة عند هذا النظام السياسي أو ذاك فقدموا أنفسهم بأنهم لا ينطقون إلا عن هوى الدولة أو الحكومة. ظل بعضهم على هذا التصور إلى أن مات؛ بينما طوى البعض الآخر مظلة الدولة بعد أن تبرأت الدولة ذاتها من مواقفه وتصريحاته.


في دول الخليج لم نعرف هذا النوع من الإعلاميين إلا في السنوات الأخيرة بعد أن طرح أكثر من شخص، بلغة صريحة أحيانا وبلغة ملتبسة أحياناً أخرى، نفسه على أنه قريب جداً من صانع القرار ويعرف ما يدور في الكواليس، وبالتالي فإن ما يقوله هو وجهة نظر الدولة؛ أو على الأقل هو ما تفكر فيه.

في المقلب الآخر للمشكلة أصبح هناك وسائل إعلام ومراكز قرار ودراسات تأخذ هذا الاسم أو ذاك على محمل (المتحدث باسم الدولة) أو كما تقول بعض الأدبيات: من المحسوبين على صانع القرار فيها. وهذا خطأ في احترافية هذه الوسائل لأنها انساقت خلف ما سوقه هذا الإعلامي عن نفسه أو حاول أن يسوقه دون أن تنتبه إلى أنه فقط يمثل نفسه ورأيه الشخصي البحت.

وهكذا بين متحدث عين نفسه على وظيفة (مقرب من الدولة) وناقل غير دقيق، متعطش للخبر والمعلومة، تقع الدولة في إحراج التباس وجهة نظرها تجاه كثير من القضايا، خاصة السياسية منها. وكان لا بد أن تعاد الأمور إلى نصابها: الدولة لديها مخولون يتحدثون باسمها والإعلامي يجب أن يكون واضحاً بأنه يتحدث باسمه ويقدم وجهة نظره بعيداً عن الإيحاء بأنه (مايكروفون) الدولة.