-A +A
عيسى الحليان
ذكر معالي وزير المالية أنه يتوجب على القطاع الخاص أن يقود عجلة النمو الاقتصادي للبلاد وهذا كلام صحيح ولا غبار عليه، وهو ما كان يفترض حدوثه منذ سنوات طويلة، لكن ما ينبغي الإشارة إليه هنا أن القطاع الخاص غير مؤهل للقيام بهذه المهمة حاليا، لأسباب تتعلق بوجود نقاط ضعف بنيوية تقع في صلب مكونات هذا القطاع وجيناته الوراثية، فهو قطاع خدمي في الغالب تشكل مع الزمن على مقاس الصرف الحكومي الذي يتغذى عليه، فهو يتوسع مع هذا الإنفاق وينكمش معه بصورة مطاطية وكربونية، وسوف يبقى كذلك مع احترامي لمعالي الوزير ما لم تحصل تحولات دراماتيكية وجذرية في صلب نظامنا الاقتصادي وهو أمر أراه غير وارد لارتباطه بقطاعات ومكونات ليست اقتصاديه بالضرورة وغير جاهزة في هذه المرحلة.

فالقطاع الخاص لا يملك مفاتيح الثروة أولاً، وهذه كلها بيد الحكومة وهي عصب الاقتصاد في البلاد اليوم، خلاف أنه قطاع «قاصر» لا يستطيع أن يشارك في سن الأنظمة والقوانين التي تخصه، فالأجهزة الحكومية هي من يقوم بهذا الدور نيابة عنه، وهي من يقوم برسم الأطر الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والقضائية والتي تشكل في نهاية المطاف كتلة هذا القطاع وتسهم في صياغة حجمه ومخرجاته.


مع احترامي الشديد، نحن لا نملك قطاعاً خاصاً كفؤاً يستطيع أن يقود عجلة النمو الاقتصادي ويتجاوز دور الدولة بأي حال من الأحوال، لأسباب يعلمها معالي الوزير قبل غيره، والدليل على ما أقول إن مثل هذه الدعوات لم تتحقق على مدى عقود طويلة، فهو قطاع لا يملك القدرة مثلاً على تفعيل واستثمار الميز النسبية المتاحة في سوقنا المحلي على سبيل المثال والتي استفاد منها غيرنا بالوكالة وسبقونا إليها على كل صعيد اقتصادي، فالسياحة مثلا ذراع اقتصادي هام تقوم عليه اقتصاديات الدول وهو قطاع معطل طالما لم يسمح به للسياح الأجانب، ويرتبط هذا بقطاعات أخرى تحمل نفس البعد الاقتصادي كالطيران مثلا، فهي إذن سلسلة متصلة لا تنتهي، كما أن بعض النشاطات الاقتصادية وشبه الاقتصادية تقوم بها الدولة حاليا ولم يتم تخصيص سوى قطاع واحد (الاتصالات) منذ عام 1984 وهو العام الذي رفع فيه هذا الشعار آنذاك، خلاف أنه لا توجد صناعات ثقيلة أو تقنية في البلاد تقوم على فكرة التصدير، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن مثلث الصناعات النفطية والبتروكيماوية والمعدنية، كلها بيد شركات إما حكومية ك «أرامكو» أو شبه حكومية كـ «سابك» و«معادن»، فهي من يملك الامتيازات الحصرية، ولم أر أنها حققت هي الأخرى تغييراً يذكر في نسبة الاعتماد على النفط الخام، إضافة إلى أن صناعة الخدمات التي يفترض أن تكون متاحة أكثر من غيرها لا تمثل سوى نسبة متدنية من مكونات الناتج المحلي قياسا بنفس المعدلات في معظم الدول، وهي أسباب تصب كلها في مجرى واحد وتعود لنفس الأسباب الوراثية والجينية لمكونات هذا القطاع.