-A +A
عبدالله بن بخيت
يردد جمهور الهلال أن مؤسس النصر سوداني، ويقول مشجعو النصر إن مؤسس الهلال تكروني.. قضية مطروحة يتبادلها جمهور الفريقين في كل مناسبة من باب التعاير وتقليل الشأن. حكايات في صورة اتهامات تنطوي على تعالٍ وعنصرية. ماذا لو أسس الهلال أو النصر أمريكي؟ هل سيكون الأمر مثار تحقير ومعايرة؟ جوهرة الاقتصاد السعودي أرامكو من أسسها؟

كرة القدم لم تخترع في المملكة ولا في السودان، ولكنها حطت في كثير من بلاد العالم إلى أن وصلت إلينا، بيد أنها لم تكن تجمعاً محلياً مغلقاً كالقبيلة أو العائلة. عندما تعيش في أي دولة أجنبية ستجد نفسك منخرطاً في حياة الناس من حولك. من يحب كرة القدم سيجد نفسه بشكل طبيعي ميالاً إلى فريق دون الفرق الأخرى في البلد الذي يعيش فيه. فمن يعيش اليوم في بريطانيا سيجد نفسه جزءاً من حياة الناس اليومية. يشارك في الاحتفالات ويسهر مع أهل البلد في أماكن السهر ويغشى المطاعم والمقاهي والمسارح. أجنبيته لا تعني أن يبقى في منزله بعد أن ينهي عمله ينتظر صباح اليوم التالي، فعدا عن بعض الامتيازات الخاصة التي لا تطاله يتساوى مع مواطني البلد الذي يعيش فيه. كل من يعمل في الواقع هو يساهم في بناء البلد حتى لو لم تكن بلده. مساهمة غير المواطن في أي بلد لا تقتصر على عمله المتعاقد عليه. كثير منهم يسهم في إثراء الثقافة والفن والرياضة والحياة الاجتماعية.


لو عاد الذين يعيرون بعضهم بعضاً إلى الوراء، إلى زمن البدايات لنقل الستينيات من القرن الماضي، سيرون أن مجتمع ذاك الزمن كان أكثر انفتاحاً وأكثر تواضعاً منهم رغم بساطته وقلة احتكاكه بالعالم الخارجي. كان كثير من جماهير الناديين الهلال والنصر و(بقية الفرق طبعاً) من السودانيين واليمنيين، كان لهاتين الجنسيتين على وجه الخصوص فضل عظيم في تطور الكرة في مدينة الرياض؛ كان منهم اللاعب والإداري والمساعد والفراش وبالطبع المشجع المخلص. (اقرأ رواية شارع العطايف). بالإضافة لاشتغالهم في النوادي كانوا يسهمون في الخدمات المساندة؛. يخيطون الملابس ويصنعون الأحذية الرياضية (البوت) ويهتفون في المدرجات. كانت هاتان الجنسيتان في غاية الانسجام مع محيطها السعودي. الشيء المهم الذي يجب أن يدركه هؤلاء (المعايرتية) أن السودانيين هم من جلب الكرة إلى المملكة، وساهموا في التأسيس بشكل جوهري. كانوا المدربين والحكام واللاعبين قبل أن تنتقل صناعة الكرة إلى المرحلة المؤسساتية لتقتصر قيادتها على السعوديين.

يبدو أن عقلية كثير من الجمهور في المملكة ما زالت تفكر أن انتماءها للنادي كانتمائها للقبيلة أو العائلة؛ غرف مغلقة على أهلها لا يشارك فيها الغرباء. المشكلة ليست في غوغائية الجماهير، فمع الأسف تسمع بعض رؤساء الأندية يعير الأندية الأخرى بنادي (الجاليات). الغريب أن ترى هذا المشجع الذي يعير النوادي الأخرى بنادي الجاليات يشجع في الوقت نفسه ريال مدريد الإسباني أو ليفربول البريطاني دون أن يسأل هل رئيس ريال مدريد يطلق عليه وأمثاله (الجاليات)؟

الرياضة والفن والأدب والعلم لا وطن لها، وطنها هو الإنسان نفسه أينما حل.

يعيش في المملكة أكثر من 10 ملايين نسمة من غير السعوديين، لا أعرف لماذا نهمل هذه الكتلة البشرية الكبيرة، متى يتم العمل على دمجهم في الحياة العامة، فبقدر ما سوف يشعرون به من دفء وانتماء للبلاد السعودية سوف تنمو اقتصاديات الفن والرياضة، فيتضاعف الحضور الجماهيري في كل الفعاليات.

من غير المنطقي أن نستجدي متابعة الجماهير العالمية على شاشات التلفزيون للكرة السعودية ونتفاخر بها، ثم نتجاهل ونحيد هؤلاء الذين يشاركوننا حياتنا يوماً بيوم. فكما رسمنا استراتيجية لعولمة الكرة السعودية بصناعة دوري عالمي علينا أولاً عولمة الكرة السعودية في الداخل.