-A +A
بشرى فيصل السباعي
أعدم مؤخراً في مصر شاب قتل طالبة جامعية أمام الناس لأنها رفضت خطبته، وإعدامه هو قصاص عادل، لكن من المسؤول عن منطق عقليته التي ليست فريدة من نوعها إنما سائدة في المجتمع ترى أن من حق الذكر قتل الأنثى إن رفضت إرادته! ولذا تكررت مؤخراً جرائم عدة على النمط ذاته، المسؤول هو الثقافة الذكورية للمجتمع التي تنفخ في غرور الأنا الذكوري للذكر منذ طفولته وتجعله سيداً في البيت تخدمه حتى أخواته الأكبر منه وهو يستبد ويتحكم بهن ولا يحق لهن رفض أوامره، وتربيه أمه على أن كل البنات تتمنى تراب رجليه، ويربيه والده على أن الرجل لا يعيبه شيء ولا حتى جريمة القتل ولا يعيبه سوى انكسار غرور الأنا الذكوري لديه، ويشاهد طوال اليوم أفلاماً ومسلسلات أبطالها الممجدون بلطجية يوظفون العنف لإرضاء غرور الأنا الذكوري فتقع النساء في حبهم وتحصل لهم كل أنواع المكاسب من مال ومكانة وسطوة على غيرهم، ومع أن الثقافة العربية متشابهة لجهة غلبة الذكورية الأبوية عليها، لكن يصبح وضعها أسوأ وأكثر سمّية مع تأزم الأوضاع الاقتصادية، حيث كما يقول علماء النفس غرور الأنا المتضخم لدى الرجل يحاول تعويض شعور الضعف والهشاشة والدونية بسبب ضعف قدرته المادية بالتسلط بالعنف على النساء سواء عبر العنف الأسري أو العنف الاجتماعي مثل قتل من ترفض تحرشه وخطبته لأن العنف يشعره أنه لا يزال بمكانة فوقية على الإناث وهو الوضع الصحيح بالثقافة الذكورية، بينما الرجل الذي يملك سعة مالية يرضي رغبته بالشعور بالفوقية على الإناث بالصرف المالي عليهن أو بوقف الصرف المالي عليهن كانتقام؛ ولذا لا يشعر أنه يحتاج للعنف معهن. إذاً، العلة تكمن بالنفخ في غرور الأنا الذكوري منذ الصغر وجعله يتضخم كورم خبيث يصبح عبئاً على شخصية وحياة صاحبه، ويصبح المتحكم بكل قراراته وغالباً يدفعه لتصرفات مدمرة للذات عدمية عبثية مثل قتل إنسان على أتفه سبب، وهو يعلم أنه سيتعرض للقصاص، لكن حمية غرور الأنا الذكوري لا عقلانية ولا تبالي بتدمير صاحبها كأي ورم خبيث يتضخم على حساب صاحبه حتى يهلكه ويجعله يتكبر على العمل الذي لا يرضي نرجسيته. والطريق لتغيير ثقافة الذكورية السامة يبدأ عبر مواد الترفيه والإعلام باستبدال صورة الرجولة من الذكورية السامة إلى شخصية الرجل في أفلام الأبيض والأسود العربية أي الرجل المتحضر الجنتلمان الراقي الذي يحترم النساء ويعتبر المساس بهن رجعية متخلفة لا يقوم بها سوى الهمج، فهناك نظرية علمية تسمى Social learning theory «نظرية التعلم الاجتماعي»، تقول: إن الناس يكتسبون أنماطهم الفكرية والسلوكية والأخلاقية والاجتماعية من مشاهدتهم لغيرهم سواء بالواقع أو على الشاشات وتقليد أنماطهم، وخاصة يكتسبون الأنماط التي لا يظهر أن هناك عقوبات وخسائر تترتب عليها كسلوكيات البلطجة ورؤية المرأة تتعرض للضرب وعدم رؤية أي نتائج سلبية تترتب على الجاني، فهذا يعني أن كل من شاهد ذلك المشهد دخل هذا النمط السلوكي خلفية عقله الباطن، وبات كامناً فيه، ويمكن أن يخرج بأي مناسبة مشابهة لتلك التي رآها بالمواد الترفيهية خاصة مع عدم وجود عقوبات بالعالم العربي على ضرب النساء وإن أدى لإصابات بليغة وإعاقات وتشوهات وكاد يقتلها، وأرجو أن تتدخل الحكومات لمنع عرض تلك الأنماط السلوكية الذكورية الهدامة كما فعلت الصين مع موادها الترفيهية باعتبارها تهدد الأمن والسلم الاجتماعي، وهذا سيؤدي لثورة بنوعية ومواضيع مواد الترفيه العربية لأنها ستجد نفسها مضطرة للبحث عن أنماط جديدة للمعالجة الدرامية للشخصيات والأحداث بعيداً عن الأنماط المعتادة المملولة الهدامة.