-A +A
عبداللطيف الضويحي
لسببٍ لا أفهمه، تداعت إلى ذهني كل محطات التعليم العام التي مررتُ بها وعبرتُها «وهناً على وهن»، فمر أمامي شريط الذكريات، بينما أنا أُتابع إبتسام الشهري (متحدثة التعليم) وهي تتحدث عن الثورة المرتقبة في مسارات التعليم التي تتجاوز على ما يبدو «قدسية» التقسيمات «الوهمية» بين «محطة الثانوية» و«محطة الجامعة» وربما تتجاوز «محطة المتوسطة» وبالتأكيد «محطة الابتدائية» وما قبلها من طفولة مبكرة.

لشدة ما ألِفنا تقسيم مراحل التعليم إلى ثلاث مراحل أو أربع ولطول فترة العمل بهذه المراحل التعليمية، ظننا في عقلنا الباطن ولا شعوريا أن الفصل بين هذه المراحل هو فصل مقدس، وأن تجاوز هذا التقسيم يعد مساساً بقدسية فكرة التعليم، أو هو خروجٌ على الإجماع التربوي، أو أن الطلاب والطالبات سيضيعون ويفشلون وتذهب ريحهم إذا لم يتم تدرجهم وتنقلهم من خلال هذه المراحل التعليمية.


لا شيء فوق الأهداف عند وضع الخطة وعند الشروع بتنفيذها. كل عناصر الخطة مُسَخرة لتحقيق الأهداف.

يبدو أن وزارة التعليم وضعت يدها أخيرا على الجرح، بعد محاولات عديدة من تشخيص متلازمة الانفصام بين التعليم والمجتمع، والانفصال بين عربات القطار وعربة القيادة. اليوم تبدو وزارة التعليم قد أمسكت فعلا بمفاتيح لعبة الحلول التربوية والتعليمية للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي كابدتها مجتمعاتنا ردحاً من الزمن، بدءاً بتراكم المشكلات وانتهاءً بهدر الفرص.

أكبر خطأ إستراتيجي وقعت فيه وزارة التعليم عبر تاريخها -في ظني- هو أنها رسمت لنفسها دورا تربويا خلال فترة حضانتها للطلبة والطالبات منذ الروضة وحتى الثانوية وربما حتى الجامعة فقط، وهذا ليس سيئا لكنه غير كاف. اكتفت الوزارة بدورها التربوي للطلبة والطالبات خلال فترة دراستهم ولم تستطع أن ترى أبعد؛ أي أنها لم تتبين دور طلبتها وطالباتها اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وصناعيا وعلميا وزراعيا؛ بمعنى آخر كانت أهداف الوزارة منصبة تماما على الطالب والطالبة وليست معنية بغير ذلك أو ما بعد وما وراء ذلك.

لأول مرة أجد أن وزارة التعليم تفكر خارج الصندوق التربوي والتعليمي، وتضع القبعة الاقتصادية وهي تتبنى مسارات التعليم الثانوي الذي لا يعترف بتقسيم المراحل بقدر ما يقر ويعترف بالأهداف التنموية والاقتصادية وأهداف الطاقة وأهداف الصناعة والذكاء الصناعي وأهداف الثقافة.

أريد أن أتوقف عند نقطة التحول النوعي من خلال مسارات التعليم الجديدة والتي سيشهدها التعليم، والتي تحسب بجدارة لوزيرها د. حمد آل الشيخ وفريق الوزارة.

كما أنني لا أستطيع أن أتجاوز ما حققه المنتخب السعودي للعلوم والهندسة من إنجازات تاريخية بعد فوزه بـ22 جائزة عالمية كبرى في معرض آيسف 2022 في الولايات المتحدة الأمريكية. فلأول مرة يكون للفوز معنى وطعم ومذاق يتجاوز فوز أندية كرة القدم.

وهنا أتساءل: هل سيكون لنظام المسارات التعليمية المرتقبة دور مهم في زيادة أعداد المتنافسين المترشحين في المنتخب السعودي للعلوم والهندسة وخلافها من المجالات؟ وهل سيكون هناك مزيد من التقارب والتنسيق بين مؤسسة «موهبة» ووزارة التعليم في سبيل توسيع دائرة التخصصات والمجالات الطبيعية والثقافية؟ هل نتطلع في الأعوام المقبلة إلى ابتكارات الطلبة والطالبات في تسهيل وتبسيط اللغة العربية لأهلها وللعالم، وهل ننتظر من الطلبة والطالبات في مقبل الأعوام ابتكارات في تعريب المصطلحات والمنتجات التقنية وغير التقنية بما يتجاوز بيروقراطية مجامع اللغة العربية ونمطية «حراس» اللغة العربية؟

ختاماً سؤالي إلى وزارة التعليم وإلى مؤسسة موهبة: لماذا جاء الطلبة والطالبات الفائزون والفائزات بالوصول لمرحلة التصفية النهائية للأولمبياد الوطني للإبداع العلمي من 7 مناطق تعليمية فقط هذا العام من بين 47 إدارة وإدارة عامة للتعليم؟ ولماذا تكرر غياب مناطق تعليمية بعينها عن الأولمبياد تماما؟ هل نطمع بأن إحدى ثمرات المسارات التعليمية المرتقبة أن يصل أبناؤنا وبناتنا من كافة مناطق المملكة التعليمية؟ لماذا لا يستحدث وظيفة مستشار تعليمي في إمارة كل منطقة كطرف ثالث في المعادلة؟ ثم هل يعزف التعليم سيمفونية المسارات بإيقاعات «موهبة»؟