-A +A
بشرى فيصل السباعي
مما لا شك فيه أن النقد بكل مجالاته وأنواعه وأوجهه هو حق وواجب على الإنسان وضرورة للفرد والمجتمعات والمؤسسات والدول؛ لأنه بدونه لا يمكن معرفة أوجه الخطأ والقصور، وبالتالي تصحيحها والتحسين والتطوير المستمر، لكنه على ما يبدو النقد لا يجعل الأمور أفضل تلقائيا، والسبب كما قال العالم أينشتاين «لا يمكن علاج مشكلة بذات نوعية الوعي التي تسببت بحدوث المشكلة»، وغالب النقد هو أشبه بالتأوه من الألم لا أكثر ولا يقدم تشخيصا لأسباب المشكلة ولا علاجا وحلولا وبدائل لها، أي لا يقدم وعيا مختلفا جديدا بصددها، وهذا يجعل بيان أوجه القصور والخطأ لا يؤدي تلقائيا لجعل الأمور أفضل، ولذا كل من ينتقد عليه أن يطور نوعية وعيه وعلمه ومعرفته وثقافته واطلاعه ليمكنه أن يقدم مع النقد تشخيصا للأسباب الحقيقية للمشكلة ووسائل علاجها والبدائل الممكنة دون افتراضات عشوائية، وهذا ما يجعل للنقد القابلية لإحداث تغيرات حقيقية، وهذا الدور يفترض أن يطلع به بالنيابة عن الشعوب المفكرون والمثقفون والعاملون بالإعلام والصحافة، لأن المتخصصين عالقون بفقاعة وظائفهم ومنفصلون عن بقية المجتمع، ولذا المكتبات الجامعية ومواقع قواعد البيانات في الإنترنت الزاخرة بالدراسات والأبحاث العلمية عن علاج كل نوع مشكلة يمكن أن تخطر أو لا تخطر بالبال بكل مجال، لكنها بلا أثر واقعي يذكر، لأن الناقدين لم يهتموا بمطالعتها بحثا عن أسباب المشاكل وطرق علاجها من منطلق تلك الدراسات والأبحاث العلمية، وهذا هو الفارق بين الناقدين في الغرب المعتادين على أن يكونوا صلة وصل بين عالم المتخصصين وبين الواقع ومشاكله، وبين الناقدين في الشرق الذين لا يقومون بهذا الدور لسببين؛ الأول: عدم سيادة ثقافة التفكير العلمي المنهجي ومرجعياته، والثاني: عدم قدرتهم على التفرغ لهذا الدور الذي يتطلب التفرغ الكامل له، فعملهم بمجال الفكر والثقافة والصحافة لا يجلب لهم دخلا ماليا يذكر، لذا يضطرون للعمل في وظائف ومهن عادية تستهلك غالب يومهم لأجل الوفاء بالالتزامات المالية ولا يبقى لهم وقت للمطالعات المعمقة والواسعة وتطوير نوعية وعيهم وعلمهم وثقافتهم، لأنه لا يوجد تقدير لقيمة العطاء الفكري والمعرفي والمعنوي لدينا، بينما في الغرب الكتاب متفرغون وأثرياء، لذا يغلب على أعمالهم التفاؤل والإيجابية مما يجعلها جذابة للجمهور، لكن كتاب الشرق فقراء ولذا تغلب عليهم السوداوية والسلبية والتشاؤم والعدمية والتملق، وهذا ما يجعل إنتاجهم منفرا وغير جذاب للجمهور، مما يتسبب بضعف مستوى الثقافة العامة في مجتمعهم، وحتى دافعية الإنسان للإجادة في عمله تقل تلقائيا عندما لا يكون هناك عائد مالي إضافي عليه مهما أجاد فيه فيبقى بقيمة أسوأ الأعمال مستوى لجهة أنه لا يأتي له بأي دخل مالي إضافي إن كان أفضل، أما حب النقد لدى الناس العاديين كما نرى حاليا ملايين الناس يسجلون في كل ساعة ملايين مقاطع الانتقادات وينشرونها في حساباتهم بمواقع التواصل، فكثير منها ليس المحرك وراءه الرغبة في جعل الأمور أفضل بحق إنما فقط حب الظهور وحب وضع النفس في مكانة الفوقية الأخلاقية على الآخرين بوضع النفس في مكانة الناقد والموجه لبقية المجتمع حتى بدون أن يكون لدى الشخص أدنى مضمون علمي أو فكري حقيقي يؤهله لتقديم النصائح والتوجيهات، ولذا غالب ما يتم تداوله من مقاطع نصائح وتوجيهات هي بالغة السلبية ومعلومات خاطئة واجترار لأفكار مغلوطة ونظريات مؤامرة خرافية.