-A +A
رامي الخليفة العلي
يمر لبنان بلحظة حاسمة في تاريخه الحديث، فقد بلغت تناقضات النظام السياسي حدا يكاد يطيح بالدولة اللبنانية برمتها. وقد كان المواطن اللبناني السباق إلى تحديد المسؤوليات فصدحت الحناجر (كلن يعني كلن)، لبنان الذي لا يمكن إلا أن تسود فيه قاعدة «لا غالب ولا مغلوب»، يسير اليوم تحت رحمة سلاح مليشيات إيران (حزب الله الإرهابي)، المسيحيون فقد حولهم التيار الوطني الحر إلى واجهة لإيران في المنطقة، يأتمرون بأمرها، أما الرسالة المشرقية فقد أصبحت من لزوم الديكور اللفظي، والخطاب الفارغ الذي يمثل النقيض لكل الإرث المسيحي اللبناني والذي كان رافعة للنهضة العربية ويشار إليه بالبنان، المحرومون الشيعة أصبحوا رهائن حزب الله، دماؤهم سلاحه وأبناؤهم هم اللحم الحي المقاتل على كافة جبهات إيران في لبنان وسوريا واليمن والعراق.

لكن أكبر المستهدفين في لبنان هم المسلمون السنة الذين عانوا الأمرين خلال السنوات الماضية، فالعاصمة التي كانت تمثل الرئة لهم أصبحت تحت حراب حزب الله ومناطقهم أصبحت الأكثر تهميشا وفقرا، والتمييز ضدهم لا حدود له، حتى أصبح أبناؤهم أكثر المعتقلين في سجن رومية سيئ الصيت ومعظمهم بدون محاكمة، التطرف في صفوفهم تجيش له الدولة برمتها وتدك مدنا وأحياء للقضاء عليه، أما التطرف والإرهاب عند غيرهم تجند الدولة للدفاع عنه، بل ويشارك في الحكومة ويسيطر على البلاد. هناك أسباب كثيرة يمكن سوقها تشرح لما آلت الأمور إلى ما آلت إليه، وقد تطرقنا في مناسبات سابقة إلى بعضها، ولكن هناك عاملا لا يمكن إغفاله وهي قيادة تيار المستقبل المتمثلة بالشيخ سعد الحريري. فقد وصل الشيخ سعد إلى سدة القيادة بعد استشهاد والده رفيق الحريري، فورث سعد قوة هائلة، وشعبية عابرة للطوائف، وفريقا سياسيا من المحترفين، وعلاقات داخلية وخارجية وإقرارا بالزعامة السياسية للسنة.


كل هذه العوامل جعلت تيار المستقبل وزعيمه يسيرون بقوة العطالة السياسية المتأثرة بالقوة الدافعة التي مثلها الشهيد رفيق الحريري، ولكن هذه القوة وهذا الرصيد نفد منذ أمد بعيد مع الافتقاد للكاريزما، والأهم الافتقار إلى الصفات القيادية والتي جعلت الشيخ سعد الحريري يفشل في امتحانات كثيرة، كان أكثرها كارثية موافقته على المعادلة السياسية الحالية التي جعلت الجنرال ميشيل عون رئيسا وحزب الله حاكما فعليا. أما الحريري وفريقه فهم مجرد شهود على معادلة سياسية عرجاء وفاشلة همشت الحريري نفسه وتياره والسنة برمتهم. وأخيرا عناق الدببة مع سعد الحريري الذي مارسه حزب الله وعون وأدى لتراجعه عن الاستقالة، هذا العناق قتل الحريري سياسيا وجعله شبح قيادة.

المرحلة في لبنان دقيقة وتحتاج إلى قيادة مختلفة، وبالتأكيد الحريري لا يمثلها. لقد تعرض الشيخ سعد إلى ضغوط هائلة وعقبات ضخمة وحان الوقت أن يترجل ويترك الساحة لمن يستطيع أن يساعد لبنان للخروج من حقل الألغام الذي يسير فيه، وينقذ السنة من المرحلة الكارثية التي يمرون بها، الساحة السنية مليئة بالشخصيات التي يمكن أن تقوم بهذه المهمة العظيمة.