-A +A
عبدالرحمن الجديع
تقوم طبيعة العلاقات الدولية بين الدول على أسس واضحة من التعامل تجسد أهمية ورغبة الدول في بناء علاقات تخدم المصالح العليا للدولة، وفق قاعدة الاحترام المتبادل لكافة الدول في المجتمع الدولي، طبقاً للمواثيق العالمية والقانون الذي ينظم مثل هذه العلاقات.

وفي هذا السياق؛ برزت جهود دولية، بعد الحرب العالمية الثانية لوضع أسس وقوانين تحكم ممارسة العمل السياسي والدبلوماسي؛ أهمها ما ورد في ميثاق الأمم المتحدة، وتحديداً في المادة الثانية، التي أكدت على الامتناع عن التدخل في المسائل التي تتعلق باختصاص الشؤون الداخلية للدول. كما أبرزت الحاجة إلى وضع مقاربات جديدة لمعالجة النزاعات الدولية والأزمات في مناطق التوترات في العالم.


وبالرغم من هذه الجهود الدولية، إلا أنّ بعض الدول دأبت على ممارسة ظاهرة الانتهازية السياسية. ومع أنّ هذه الظاهرة لم تكن حدثاً جديداً في تاريخ البشرية، إلا أننا نلاحظ، على مستوى الأفراد، أنّ هناك فئات من المجتمع تعبث في المجتمعات، وتجنّد من تستطيع تجنيده لخدمة مصالحها الضيقة من طبقات المجتمع؛ كالحاقدين وضعاف النفوس والمرتزقة يتم استمالتهم فكرياً أو عقائدياً أو مالياً وإغراؤهم وإقناعهم بالانضمام إلى هذه الفئات التي تطرح شعارات براقة لخدمة الصالح العام، بينما هي تقتنص الفرص للوصول إلى مراكز المسؤولية، وبالتالي تحقيق مصالحها بأي ثمن.

في المقابل، وهو الأخطر، تتولى دول مثل هذه الأدوار، عبر الانتهازية السياسية، التي تقوم على إستراتيجية وخطة أساسها تكريس المصالح في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، ووضع برامج وآليات لتحقيق أهدافها، من خلال الاستعانة بمنظمات المجتمع المدني، أو الأحزاب السياسية في بعض الدول.

لقد تبنت قطر مثل هذا النهج في ممارساتها الدولية، واستخدمت شعارات مختلفة، وعبثت في الأزمات والتوترات، ضمن سياقات التحولات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط ومنطقة الخليج، ومثلها ظهرت الانتهازية السياسية لربيبتها الإيرانية التي لم تبهت ولم تضمحل منذ قيام الثورة المشؤومة عام 1979؛ حيث تفرّغت للسيطرة على مفاصل الدولة في العراق، من خلال طغمة من المعارضين، والمبالغة في إبراز مساوئ الظلم الاجتماعي الذي تعرض له الشعب العراقي تحت حكم صدام، كما عملت على استغلال الأزمة السورية لإيجاد موطئ قدم لها، وتعظيم مكتسباتها السياسية ونفوذها ومكانتها، وبالتالي مقايضة المجتمع الدولي في المواقف والمصالح السياسية، وكذا فعلت تركيا الإخوانية في سوريا وليبيا، وحتى في الخليج، مستغلة هوس الدوحة بموضوع أمنها غير المبرر، مما دفع قطر للتواطؤ مع تركيا وإيران وإسرائيل، تحت مزاعم أقرب إلى الوهم منها إلى الحقيقة. ولعله مما يثير السخرية حقاً ما تثيره قطر عبر إعلامها من مآخذ على معاهدة السلام بين دولة الإمارات العربية وإسرائيل، علماً بأنّ الدوحة أول من جلب الإسرائيليين إلى المنطقة بافتتاح شيمون بيريز؛ الرئيس السابق لإسرائيل، للمكتب التجاري الإسرائيلي في الدوحة عام 1996، والذي كان يعمل فيه دبلوماسيون إسرائيليون، وشكّل نواة التواجد الإسرائيلي، فكانت قطر هي من أسهمت في تغلغل إسرائيل في منطقة الخليج، ولا تزال العلاقات الإسرائيلية القطرية في أفضل الأحوال وأعلى المستويات، ويكفي أن يتذكر المرء أنّ إسرائيل تنسق مع الدوحة من أجل إرسال المال إلى قادة حماس في قطاع غزة، من أجل إسكاتهم ومنعهم من التحرّش العسكري بتل أبيب، وهذا دليل صارخ على المتاجرة الرخيصة في القضية الفلسطنيية، وتكريس الانقسام الفلسطيني الذي يخدم الأجندة القطرية المؤسَّسة على الدسّ والافتراءات وتشويه الوقائع.

لقد أسهمت الانتهازية القطرية في جلب القواعد الأجنبية لبلادنا، وخلق محاور الشر مع تركيا وإيران، والاستمرار في ترويج الادعاءات وتشويه المواقف، وتوظيف التوترات، والعمل على مختلف التجاذبات السياسية، واستخدام أنماط جديدة من سلوك الانتهازية السياسية.

هذا كله، في نهاية المطاف، جعل هذه التصرفات القطرية اللامسؤولة مكشوفة وتصب، بلا أدنى ريب، في صالح أعداء الأمة، وهو أمر يشكل خطورة واضحة هدفها زعزعة البنية العربية، وتكريس الاستقطاب الإقليمي، على حساب أمن المنطقة وسلامها واستقرارها.

كاتب سعودي

AGdaia@