-A +A
بدر بن سعود
في نوفمير 1959 أيام الاستعمار الإنجليزي، وقعت اتفاقية لتنظيم استخدام مياه النيل بين مصر والسودان، وقد أعطي المصريون حصة كبيرة من النيل بالإضافة لحصة سودانية أقل، وتم تجاهل إثيوبيا رغم أنها الشريك الثالث والوحيد في مياه النيل الأزرق، وفكرالإثيوبيون في بناء سـد يمكنهم من الاستحـواذ على حقهم الطبيعي في النيل الأزرق، ويساعدهم على فرض حضورهم كدولة مؤثرة في القرن الأفريقي، وهو ما شكل فاتحة لبناء سد النهضة في أبريل 2011، الذي بدأ تشغيله في مرحلته الأولى في 15 يوليو الجاري.

سد النهضة الإثيوبي عند اكتماله سينتج طاقة كهربائية تصل إلى ستة آلاف ميغاواط، وهذا يتجاوز إنتاج السد العالي المصري بما يقارب ثلاثة أضعاف، وهناك مفاوضات مستمرة بين إثيوبيا ودولتي المصب مصر والسودان، لتحقيق الاستخدام العادل والمتوازن لمياه النيل، وربما كانت السودان مستفيدة من السد، لأنه سيوقف الفيضانات الموسمية المدمرة، التي منعته في السابق من زراعة ما يزيد على 20% من أراضيه الخصبة، ولكنه في الحالة المصرية يبشر بكارثة.


التوتر المصري حول سد النهضة مفهوم، فالتعجيل في تشغيل السد وملؤه خلال مدة تقل عن عشر سنوات، سيحرم مصر من 5 مليارات متر مكعب من المياه في السنة، ويدخلها في مرحلة جفاف مائي، والدولة المصرية تحاول استباق السيناريوهات السيئة باعتماد سياسات لترشيد استهلاك المياه، بالإضافة لفرض عقوبات على الإسراف في استخدام الماء.

لا أحد يعترض على طموحات إثيوبيا في أن تكون أكبر دولة مصدرة للطاقة الكهربائية في القارة السمراء، والسد سيساعد الإثيوبيين بالتأكيد في تحقيق هذا الهدف وفي التنمية، ومعها زيادة حجم الاستثمارات في الداخل الإثيوبي، وتطوير البنية التحتية كالطرق والمواصلات في المناطق الفقيرة، وسد النهضة وفق اتفاقية إعلان المبادئ في سنة 2015، ليس لاستهلاك المياه وإنما لتوليد الطاقة الكهربائية، ما يعني أن المياه ستدخل إلى السد وتخرج منه ولن يتم الاحتفاظ بها، وفي هذه الحالة لن تتأثر حصة مصر ولا السودان، وأن كانت الثانية مستفيدة مثلما أوضحنا، بينما سيؤدي استهلاك مياه السد إلى انخفاض مؤثر في معدلات المياه المسموح بعبورها لمصر والسودان.

المملكة يجب أن تكون طرفا رئيسيا في أي حوار إقليمي حول السد ما لم تبادر بالدعوة إليه؛ لأن استثماراتها الحكومية والخاصـة في مصـر والسودان وإثيوبيا تقدر بما قيمته 79 مليار دولار تقريبا، ويمكن اعتبارها من المستثمرين الكبار في هذه الدول، ومعظم الاستثمارات السعودية تركز على زراعة المحاصيل المختلفة والثروة الحيوانية وكلاهما يحتاج إلى الماء، ويوفر بدائل مناسبة للأسعار المرتفعة في أسواق الغذاء العالمية، وعدم الوصول إلى اتفاق مقبول من كل الأطراف حول سـد النهضة سيؤثرعلى مصالح المملكة واستثماراتها.