-A +A
رامي الخليفة العلي
على امتداد عشر سنوات مضت لم تبق مأساة تعرضت لها البشرية إلا وعاينها الشعب السوري، فقد تعرضت مدنهم وقراهم للبراميل المتفجرة طوال أشهر وسنوات حتى لم يبق حجر على حجر، فهام من بقي منهم حيا على وجهه لا يبغي من عرض الدنيا سوى مكان يؤوي عياله ويحفظ كرامته، ولكن هيهات فقد حاصرت الميليشيات الإيرانية وقوات النظام من بقي حيا حتى اضطر الناس في بعض المناطق أن يأكلوا القطط والكلاب حتى يبقوا على قيد الحياة. ثم عاين الشعب السوري تجبر الجماعات المتطرفة المترعة بالحقد على هذا الشعب وأذاقته الويل وقتلت وشردت ما لم يستطع النظام تشريده. وأخيرا ظهرت المليشيات المسلحة المرتزقة فظهر على الأرض السورية مصطلح البندقية القابلة للإيجار، ميليشيات من كل شكل ولون وتتبع لكل من هب ودب. وهكذا تكرست في سوريا ثقافة الارتزاق أي الانضمام إلى جماعات وميليشيات تدفع مبالغ كبيرة لأناس فقدوا كل ما يملكون ووصلوا إلى حدود الكفاف. وهكذا وجدت تركيا في المخيمات والمناطق الواقعة تحت سيطرتها وإدارتها وأيضا الميليشيات التابعة لها، وجدت خزانا بشريا تستطيع أن تغرف منه ما تشاء. يريدها أردوغان حربا رخيصة، لأن مشهد التوابيت التركية وهي عائدة ربما يؤلب الرأي العام التركي ضده، كما أن الوضع الاقتصادي ليس مشجعا على دخول معارك خارجية. ولكن الرئيس التركي استعاض عن الجنود الأتراك بالمرتزقة السوريين وعن التمويل التركي، بالتمويل القطري. ولكن هذا الأمر يمكن أن يصح لو أن التدخل التركي كان سريعا وخاطفا كما كان يأمل الرئيس التركي، ولكن الصراع بدأ يتطاول والقوات التركية والميليشيات التابعة لها لم تستطع تحقيق أي شيء يذكر سوى تعقيد المشهد الليبي، والذي دفع وزير الخارجية الفرنسي أن يحذر من سورنة (من سوريا) الوضع في ليبيا. كما أن قطر تستطيع أن تمول الحرب في ليبيا حتى حين ولكن في نهاية المطاف لا يمكن أن تستمر في حرب لا يبدو لها نهاية. نعلم أن الرئيس التركي مسكون بأحلام إمبراطورية أكل عليها الزمان وشرب، ونعلم أن من محيطه من يغذي لديه الأحلام الطوباوية حول كونه الخليفة المنتظر. ولكن من غير الأخلاقي والإنساني استغلال شعب هجّر وقتّل وجوّع في سبيل تحقيق تلك الغايات. استغلال السوريين اللاجئين وكذا المقيمين في المناطق التي تسيطر عليهم الميليشيات التركية، عمل لا ينم عن الأخلاق فضلا عن الحس الإنساني وهو ينتهك كل المعايير الإنسانية. إنها حرب لا ناقة للسوريين فيها ولا جمل ومع ذلك يدفع أردوغان جزءا من الشعب السوري لكي يغوصوا معه في الرمال الليبية المتحركة.

إنها قضية خاسرة مهما حاول أردوغان وعصبته أن يزينها، الحرب في ليبيا سوف يكون لها ما بعدها، الآن المواطن التركي كما المواطن السوري يتساءلان لماذا يفقد شبابنا حياتهم في الثرى الليبي، هل تستحق أحلام أردوغان نقطة دم واحدة؟


باحث سياسي

ramialkhalife@