-A +A
علي حسن التواتي
في هذه المقالة سأحاول التنبيه لمخاطر الهجمات الالكترونية الإيرانية في الفضاء الافتراضي على مواقع شبكية متعددة في العالم بدوافع بعيدة عن الربحية.
أما العنوان (حصاد الفستق) فهو منقول من تقرير أولي لمشروع بحثي مشترك بين المعهد الأمريكي للتهديدات الحرجة وشركة نورس المعلوماتية التي تشرف على شبكة من المجسات الموزعة على مختلف أنحاء العالم لمراقبة ومتابعة النشاطات المختلفة على الإنترنت.

ولقد توصل معدا التقرير (فريدريك كيجن وتومي شتيانشن) إلى تفاصيل ونتائج جديرة بالاهتمام فيما يتعلق بالتهديدات الإيرانية للمعلوماتية عبر الشبكة وإمكانية تزايدها مع رفع العقوبات والحظر التكنولوجي عن إيران بموجب الإطار العام للاتفاق النووي المعلن في 2 أبريل 2015.
ويحدد التقرير مصادر خطورة إيران في امتلاكها لشبكتين مختلفتين لتكنولوجيا المعلومات، إحداهما محلية تبنى وتطور في إيران، والأخرى عالمية تشترى وتستأجر حول العالم. والقاسم المشترك بين الشبكتين هو تسخيرهما لشن الهجمات الالكترونية على مواقع يعتبرها النظام الإيراني معادية.
أما على المستوى المؤسساتي فقد استثمر النظام الإيراني بسخاء على تطوير بنية تكنولوجيا المعلومات في الجامعات والمؤسسات التعليمية المختلفة كجامعة شريف للتكنولوجيا وجامعة شاهد بهيشتي والذراع التعليمي للحرس الثوري جامعة مالك أشتار وغيرها.
كما نجح في تجنيد الخبراء الإيرانيين في تطوير برمجيات الكمبيوتر والإنترنت والمعلوماتية بصفة عامة بتنمية الدوافع (القومية) في نفوسهم لتعلو على أية دوافع أخرى لخدمة إيران بصرف النظر عن موقفهم من النظام الحاكم في طهران.
وسواء شنت الهجمات الالكترونية لحساب النظام الإيراني من داخل إيران أو من خارجها من أفراد بدوافع قومية أو من مؤسسات يشرف عليها النظام فإن خطورتها تنبع من تسخيرها لأغراض الأمن الوطني الإيراني والحرب الإلكترونية تجاه الدول والمؤسسات التي يعتبرها النظام معادية.
ورغم الفشل في معظم الهجمات الالكترونية التي شنت حتى الآن من إيران، إلا أن ذلك لم يمنع من تحقيقها لبعض النجاحات الرئيسية في عدة مناسبات منها حرمان بعض المؤسسات المالية الأمريكية سنة 2011 من الدخول لمواقعها على الإنترنت وذلك بضخ كميات هائلة من المعلومات (القمامية) لملء السيرفرات وجعلها في حالة انشغال وعجز عن تحمل المزيد من الحركة. وقد شمل هذا التخريب مجموعة (جي بي مورغان شيس) المالية و(سيتي بانك) وبنك أمريكا انتقاما من دقتها في تطبيق العقوبات الأمريكية على إيـران.
وتمكن المخربون الإيرانيون في مناسبة أخرى من النفاذ لموقع كازينو في لاس فيجاس سنة 2014 وإغلاق العديد من عملياته انتقاما من مالكه (شيلدون أديلسون) لتصريحات مناوئة لإيران أدلى بها سنة 2013.
وفي مناسبة ثالثة تمكن المخربون الإيرانيون من شن هجمة ناجحة في أغسطس سنة 2014 باستخدام الفيروس الكمبيوتري (شمعون shamoon) على خوادم شركة (أرامكو) السعودية دمروا خلالها كميات هائلة من المعلومات التي كان من الممكن أن تذهب للأبد لولا احتفاظ الشركة بنسخ احتياطية من بياناتها يتم تحديثها على مدار الساعة. وصرح نائب رئيس شركة «أرامكو» للخدمات الهندسية حينها عبدالله السعدان أن المهاجمين تمكنوا من زراعة فايروس تخريبي قام بحذف ملفات رئيسة وتعطيل 30 ألف جهاز حاسب تقريبا قبل أن تتمكن الشركة من السيطرة على الوضع بعد يوم واحد.
ويبقى أن نعرف أن التقرير يؤكد على أن تركيز القيادة الإيرانية على تكنولوجيا المعلومات هو خيار استراتيجي أكد عليه زعيمها الروحي علي خامنئي في توجيهاته العامة للحكومة في فبراير 2014 بهدف الوصول بهذا القطاع للمرتبة الأولى على مستوى الشرق الأوسط، وعبر عنه الرئيس روحاني بإعلانه بأن هدف حكومته الكمي هو استحداث (100) ألف وظيفة في مجال تكنولوجيا المعلومات بحلول 2017.
ورغم أنه من المطمئن بحسب مسح الأمم المتحدة الإحصائي عن (الحكومة الالكترونية) احتلال إيران لمرتبة متأخرة (105) على مستوى العالم، وأن كل دول مجلس التعاون تحتل مراتب متقدمة في هذا الترتيب التي تميزت منها المملكة (36) والإمارات (32) والبحرين (18) إلا أن المقلق هو أن ترتيب إيران في مدى توفر رأس المال البشري للعمل في هذا المجال قريب لما يتوفر في الأردن، والكويت، ولبنان، وليس بعيدا عن القائدة (دولة البحرين).
ولذلك آمل أن تتنبه وزارات الاتصالات وتقنية المعلومات والهيئات الخليجية والعربية ذات العلاقة لحقيقة أن الأمن الوطني اللآن والحروب المحتملة في المنطقة ستكون معلوماتية بالدرجة الأولى، ما يعني الحفاظ على الفارق التقني القائم حاليا مع إيران والعمل على تجاوز الفجوة القائمة مع إسرائيل أو موازاتها. وهذا ما لا يمكن تحقيقه إلا بالإرادة والعمل والاستفادة من كافة الموارد المتاحة خاصة البشرية منها وتطويرها باستمرار قبل فوات الأوان..