-A +A
منى المالكي
الاحتفال الكبير الذي أقامته قبيلة بني مالك السراة وتهامة لشاعرها الكبير عيضة بن طوير الأسبوع الفائت ينقلنا على أجنحة الحلم لماض عريق عاشته تلك القبائل الأصيلة التي تحتفي بالكلمة بالشعر بالشعراء، هذا الاحتفال لم يكن مقتصرا على قبيلة تفخر بشاعرها وتقدمه على بقية الشعراء المعنى أكثر عمقا والدلالة أكثر دهشة وتميزا.
الشعر الشعبي هو جزء أصيل من ثقافة شفهية تضرب بجذورها في وجدان الإنسان وتشكل سلوكياته وتصرفاته كما أن هذه الثقافة الشفهية -والتي يعتبر الشعر عنصرا قويا من مكوناتها- توجهه في تصوراته تجاه الأشياء وتبرمج نظامه القيمي، فالعادات والتقاليد هي ما يستحسنه البعض وترضى عنه المجموعة فتبدأ بعدها عملية التأصيل لهذه العادة أو ذلك التقليد من خلال أدوات يظهر الشعر الساحة الرئيسة لذلك التأصيل ويتوج الشاعر الناطق الرسمي لاعتماد ذلك التقليد، وما يثير في مثل هذه الاحتفالات هو حرص القبيلة على الاحتفاظ بذاكرتها الجمعية من خلال شاعرها، هذا تقليد إنساني قديم لم يتغير على مدى الزمان ولا بتغير المكان ومن هنا يمكن دراسة هذا الاحتفاء بشاعر بجيلة بوصفه نصا مؤثرا داخل نسق ثقافي في خطاب متفاعل مع بيئته وتأريخه وثقافته.
هذا الخطاب الثقافي ذو الصبغة الجماهيرية الشعبية، لم يحلق بعيدا متصادما مع غيره، وفي نظري أن ذلك من مميزات الخطاب الشعري الشعبي «الواعي» والذي يلتزم برؤية وطنية تعلم جيدا أن الوطن هو مظلة للجميع، ما ظهر في هذا الاحتفال هو التأكيد على أن هذا الشاعر هو شاعر الوطن وليس شاعر القبيلة فقط، هذا التأكيد يؤصل لطريقة فهمنا لهذا الخطاب، ويدلل كذلك على قيمة هذا النص/الاحتفال وربطه بالمحيط الأكبر الوطن ليظهر فخر القبيلة بشاعرها موازيا لفخر الوطن كله بشاعره كذلك، فيصبح الشاعر شاعر الوطن كله.
الشعر لا يهب الجمال فقط، فهو يساعدنا لفهم العالم من حولنا، وهو ذاكرة تأريخية لما مر بالإنسانية على مدى الزمان واتساع المكان، والتباهي بالشعر والشعراء سارقي النار، ومن اكتوى باللهيب الأول وتذوق اللذة الأعظم، هو احتفاء إنساني يدلل على قيمة الجمال وصانعيه في حياتنا، فهو ما يخفف حالات الجنون التي نعيشها من حولنا، ويبقينا في حالة توازن لنستطيع ولو قليلا أن نعيش!
من شعر عيضة بن طوير:

يا سلامي يا الرفيق اللي على الحدان قربناه
كم تمدحنى بفعلك وانت راع الرايه المنصوبه
وانتم ادروع الجنوب العاريه وانتم لباسها
ولنا تاريخ قبل اربع مية عام العرب تدريبه
والعصور الذي مضت حتى النبي بايع وفودنا
والحروب القادسيه ويش سوا جيشنا في رستم
قد برز منا لساحات القتال الفين مالكي
اطلق الافيال واندر من جيوشه خمس مية فارس
وهزمنا الجيش والافيال عسفنا رقابها