-A +A
رانيا الباز
يظهر جليا موقف حزب الله من جمهوره في الآونة الأخيرة وذلك في الخطاب الأخير لأمينه العام حسن نصر الله، فبعد الحملات الإعلامية التي شنها هذا الحزب والوسائل الإعلامية المقربة منه ومن النظام السوري التي هاجمت بنمط ممنهج ومنسق على جميع المساحات الفضائية والإلكترونية لا سيما شبكات التواصل الاجتماعي على قياديين بارزين في قوى الـ14 آذار وعلى سياسة المملكة ودعمها للمعارضة السورية، ها هو الحزب يقبل بالتنازل عن شروطه في تأليف الحكومة اللبنانية بعد كل هذه المحاولات.
صعبا جدا أن ينجح الحزب بافتعال حالة جماهيرية حاقدة ويعود ليتراجع ليصطدم بموجة الكره نفسها الذي أشعلها وإن كانت الحرب النفسية على الطراز النازي تقضي استعمال التطرف كوسيلة للحشد لكن بغياب رؤية إستراتيجية واضحة هي سلاح ذو حدين خصوصا لمن يريد التراجع.

صعب أن تتماشى هذه الدعاية مع المتغيرات الدائمة للموقف الإيراني المستجد وذلك بعد الاتفاق حول الملف النووي والاتصالات الجارية مع الأميركيين من جهة وتراجع نفوذ طهران في اليمن بعد احتواء الحوثيين وانفجار العراق في الأنبار ودعوتها اليائسة في البحرين وتأرجح اقتصادها المتهالك.
لقد عرضت المؤسسة اللبنانية للإعلام تقريرا يكشف مدى خيبة ظن وامتعاض جمهور حزب الله (عينة من سكان الضاحية الجنوبية) فالقبول باللواء أشرف ريفي وزيرا للعدل بحكومة الرئيس تمام سلام يعتبرها الحزب تضحية كبيرة بعدما حاك الحزب وأنصار النظام السوري كل الخيوط حول دوره المزعوم في اشتباكات مدينة طرابلس اللبنانية والقبول أيضا بنهاد المشنوق وزيرا للداخلية الذي أتهمه سابقا الحزب علنا في إحدى المشادات التي شهدها المجلس النيابي اللبناني سابقا بأنه عميل للمخابرات الإسرائيلية بحسب ممثله في المجلس النائب نواف الموسوي أمر صعب للعقلية المصطنعة لهذا الجمهور أن يبتلعاها لأن التسوية جاءت كالكي على القلوب.
لقد ارتدت الموجة على حزب الله لتشمل معها رموزا في 8 آذار لاسيما المدير العام السابق للأمن العام اللبناني اللواء جميل السيد أحد أبرز أركان المنظومة الأمنية اللبنانية السابقة المقربة من النظام السوري في لبنان إبان اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري والذي أعلن قطيعته مع القوى المنضوية في 8 من آذار احتجاجا على توزير اللواء أشرف ريفي، والوزير السابق وئام وهاب وهو من أبرز المدافعين عن السياسة الإيرانية في لبنان حيث عبر خلال مقابلة متلفزة عن امتعاضه الشديد لتخلي تلك القوى عن حلفاء النظام السوري خلال تشكيل الحكومة.
إن المقدرة على التكيف السريع مع الأحداث فرضت على نصر الله الإطاحة بالسقف العالي الذي تغنى به في خطاباته السابقة فبعد الغياب الطويل الذي لامس الشهر من معزوفته الخطابية، تسارعت الأحداث لاسيما مجريات المحكمة الدولية الأخيرة تليها المساعدات الضخمة للجيش اللبناني التي قدمت هبة من المملكة العربية السعودية وقبول الرئيس سعد الحريري بحكومة شراكة مع حزب الله، ومواصلة المملكة في مكافحتها للإرهاب التي ظهرت في الأوامر الملكية الأخيرة التي تحد وتجرم الإرهاب والارهابيين.
الحزب يتماشي مع القول «حبة فوق وحبة تحت» وهذا جائز في الإرادة السياسية لكن تجييش الجماهير من الطائفة الشيعية بالتحديد وإقحامها بحقد طائفي بمبررات واهية «هذا غير جائز» بإمكان الحزب التنازل عن العنجهية والإصبع المرفوع في خطابات أمينه العام لتقبل ما يمكن تقبله في قراراته السياسية عند التراجع عنها.