-A +A
بدر بن سعود
ملابسات عدم السماح لطائرة لم توضح هويتها من عبور الأجواء السعودية، والقول بأن الرئيس السوداني عمر البشير استقلها من الخرطوم متوجها إلى طهران، نشرتها هذه الجريدة يومي الأربعاء 7 أغسطس والجمعة 9 أغسطس، وقد جاء في التفاصيل أن المراقبة الجوية في جدة لم تخطر بوجود الرئيس السوداني في الطائرة إلا بعد عودتها، ومثل هذا النوع من الرحلات ــ بحسب توضيح هيئة الطيران المدني السعودية ــ يحتاج إلى مراسلات دبلوماسية بين سفارتي البلدين، وموافقات مسبقة قبل 48 ساعة على الأقل من موعد الرحلة، وما تم فيه مخالفة للبرتوكولات والأعراف الدولية، وقد أكدت الهيئة على لسان خالد الخيبري (المتحدث باسمها) أن إجراء المنع نظامي ومنشور ــ لمن أراد التثبت ــ في دليل الطيران المدني السعودي، وأشارت الصحيفة ــ من جانبها ــ إلى تصريح سابق لسفير السودان في المملكة ينسجم مع ما قالته الهيئة في البداية.
الطيران المدني في السودان لم يسكت، وعقب بأن كلام هيئة الطيران السعودية حوى معلومات غير صحيحة، وربما قصد الجزء الخاص بالرئيس السوداني ومسار الرحلة، وقد كشفت الأولى أن من أبلغها بوجود الرئيس هو قائد الطائرة عندما كانت في طريقها إلى الخرطوم، وأن استلامها المعلومات الجوية لمحطة المغادرة والوصول لا يعني الموافقة على عبور الطائرة للأجواء السعودية، إضافة إلى أن الرئيس السوداني لم يذكر باسمه أو صفته في بيانات الرحلة، وأقرت الهيئة بحصول الطائرة ــ محل الإشكال ــ على تصريح مؤقت يجيز لها النزول في المطارات السعودية، ولكنه مقيد بشخص مالكها وحده، وليس من حقه استثمار التصريح تجاريا أو تجييره لمن يستأجر الطائرة.

موقف هيئة الطيران المدني السعودية سليم في سياقه ومبرراته، وليست هناك مقاطعة أو خلافات حادة بين المملكة وإيران أو بينها وبين السودان، تقبل إحالة المنع إلى أسباب سياسية أو غيرها، و لعل المربك ــ في رأيي الشخصي ــ أو ما يحرك فضولي تحديدا، يدور حول الحرص المبالغ فيه على سرية الرحلة وتوقيتها، رغم أن الغرض من الزيارة معلن ومعروف مسبقا، فقد كانت لحضور مراسم تنصيب الرئيس الإيراني حسن روحاني، وقد حضرها الرئيس اللبناني ميشال سليمان وممثلون عن دول الخليج، ثم لماذا لم يستخدم البشير طائرته الرئاسية، وفضل عليها طائرة غير حكومية، خصوصا أن الزيارة رسمية في شكلها، وما الضرر الممكن من إبلاغ الجهات الدبلوماسية في السعودية، وهل توجد مسوغات تبرر ترك الموضوع لحين مغادرة الرئيس مطار الخرطوم واقترابه من الأجواء السعودية.
التفسيرات تنحاز للاحتياطات الأمنية ومشاغبات جديدة يقودها الصادق المهدي، ثم لمذكرات أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية في عامي 2009 و 2010، وطالبت فيها باعتقال الرئيس السوداني لارتكابه جرائم في دارفور، أو لاحتمالات غير مؤكدة، فرضتها العزلة والعقوبات الدولية على الطرفين، تفيد بتورط الخرطوم، وبمباركة من طهران، في إيصال أسلحة من أراضيها لدعم جماعات إرهابية، وعلى طريقة مصنع الشفاء للأدوية المملوك لبن لادن في السودان، والذي ضربته الولايات المتحدة في سنة 1998 أيام بيل كلينتون، وقالت بأن جزءا من إنتاجه يستخدم في صناعة الأسلحة الكيميائية، ووصفه مراقبون حينها بالرد الأمريكي على تفجير سفاراتي أمريكا في نيروبي ودار السلام، لولا أن العلاقات بين المملكة والسودان مستقرة وجيدة، والدليل إجراء البشير لعملية جراحية داخل المملكة في نوفمبر 2012، رغم أن البوارج الإيرانية زارت ميناء بورتسودان في أكتوبر من نفس العام، ويبقى التفسير الأسهل وربما الأقرب للتصديق، وهو أن صاحب الطائرة الأصلي مسؤول بالدرجة الأولى، ولم يفهم محتوى تصريحه المؤقت كما يجب.