-A +A
علي حسن التواتي
لطالما تساءلت عن وجود ألمانيا في لجنة الخمسة زائد واحد المكلفة بالتعامل مع ملف إيران النووي. فهذا الواحد ليس عضواً دائما في مجلس الأمن مثل باقي دول المجموعة، كما أنه عضو في الاتحاد الأوربي المشارك بقوة في المفاوضات من خلال بريطانيا وفرنسا وحتى من خلال التواجد غير الرسمي لسكرتارية الاتحاد الأوربي. فلماذا إذن ألمانيا؟ وليس البرازيل أو الهند أو اليابان أو غيرها من الدول؟ ربما تكمن الإجابة في رغبة غربية لتعويد العالم على دور ألماني في خدمة السلام العالمي لمسح صورتها النازية القديمة والتمهيد لمنحها مقعدا دائما في مجلس الأمن. وربما.. أقول ربما.. لسبب آخر غير ظاهر في الصورة وهو العلاقة العرقية بين إيران وألمانيا وبعض شعوب وسط أوربا التي تجتمع في انتمائها للعرق (الآري) ومعظمها يتحدر من قبائل كانت تستوطن شرق إيران وشمال الهند قبل عشرة قرون وتعرف لغاتها اليوم في أوربا بمجموعة اللغات (الهندية/الأوربية) وانتمائها العرقي بمسمى الشعوب (الهندية /الآرية).
ولعل وجود ألمانيا في المجموعة يشعر المفاوضين الإيرانيين بالدفء العائلي، يعزز ذلك الصمت الألماني شبه المطبق عن التصريحات الرنانة على هوامش جلسات التفاوض والعمل بهدوء للتوصل لحل يرضي الغرب ويحفظ تماسك إيران السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

وإذا ما سلمنا جدلا بصحة فرضية أن إضافة ألمانيا للمجموعة هو تواجد عرقي ميال للحلول السلمية والهادئة يمكن تحليل المواقف السياسية لباقي الأطراف. فمهما بدت مواقف فرنسا وبريطانيا متشددة إلا أنها وباقي دول غرب أوربا من أكثر الأطراف لينا في معادلة المفاوضات لحاجتها الاستراتيجية الماسة للنفط والغاز الإيراني ورغبتها في تنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على النفط الروسي قدر المستطاع.
أما روسيا والصين فقد تمكنت إيران من ترسيخ علاقاتها الاستراتيجية والاقتصادية معهما بهدوء ضمن الجبهة العالمية الجديدة الصاعدة التي تشكلت أثناء انشغال أمريكا بحروبها الصغيرة في أفغانستان والعراق وبلاد (واق الواق) لتصبح إيران الطفل المدلل للدولتين الحليفتين وكل المطلوب من مندوبها أن يهز رأسه أثناء المفاوضات بالرفض فتنبري الدولتان للاعتراض على أي مسودة اتفاق لا ترضيه مهما كانت منطقية وعادلة لإيران ولكافة الأطراف الإقليمية الأخرى.
ولذلك تجد أمريكا نفسها من الناحية العملية وحيدة في المفاوضات مستشعرة إفلات زمام الأمور من بين يديها فلا روسيا هي روسيا القديمة ولا الصين هي الصين ولا حتى إيران هي إيران. ولذلك يعلو صوت وزير الخارجية الأمريكي من حين لآخر بعبارات رنانة لم تعد تلقى صدى حتى في قاعات الاجتماعات وردهات الفنادق التي تشهد المؤتمرات الصحفية التي تعقب الاجتماعات. ولعله من الطريف هنا أن أذكر عبارة كيري أثناء مفاوضات جنيف الأسبوع الماضي «نافذة الدبلوماسية مع إيران لن تبقى مفتوحة لأجل غير مسمى» فقد أضحكتني كثيرا حينما سمعتها لأنها كانت أشبه ما تكون برجع صدى لعبارة ترددت أثناء انعقاد القمة العربية التي أفشلها القذافي في الكويت قبل مصرعه وفحواها «إن المبادرة العربية لن تترك على الطاولة لأجل غير مسمى»، حيث يبدو أن الدبلوماسية العربية وممارساتها العجيبة قد انتقلت للأصدقاء الأمريكان بحكم العشرة، فالقرين بالمقارن يقتدي.
وبهذا لم تتمكن أمريكا من إرضاء أصدقائها وحلفائها في المنطقة ولم تتمكن من إقناع شركائها في المجموعة بوجهة نظرها بشأن المشروع الإيراني النووي ما أدى لتراشق إعلامي بينها وبين (حليفها الاستراتيجي إسرائيل) الذي أحس بأنه لا يختلف عن باقي الأطراف في المنطقة وأن الحليف الأمريكي قد وضعه (فوق البيعة) لتحقيق تفاهم مع إيران، فعلا صوته بالصراخ اعتراضا على مسودة التفاهم التي سربت عبر وسائل الإعلام، ليأتي الرد من كيري متسرعا ومتسما بالتوتر بقوله في مقابلة يوم الأحد الماضي بأن بلاده «ليست عمياء، ولا أعتقد أنها غبية»
وفي الختام أود التنبيه إلى أن أحد أهم التفسيرات للمواقف اللينة للقوة العظمى الآفلة في الآونة الأخيرة يكمن في رغبتها الملحة التي لم تعد تخفى على أحد في إقفال كافة ملفاتها في هذه المنطقة من العالم في أسرع وقت ممكن لتتمكن من التفرغ لإعادة نشر أسطولها البحري وجل قوتها العسكرية في المحيط الهادي قبل 2020 تحسبا للتحولات الجيوسياسية في تلك المنطقة وتنامي التحالف الصيني الروسي الكوري الشمالي الذي قد يشكل تهديدا مباشرا على الأرض الأمريكية في حال اندلاع مواجهة عسكرية على أي مستوى.