-A +A
فؤاد مصطفى عزب
أجمل ما حدث لي في عام 1434هـ أن رزقني الله بحفيدتي سارة والتي أعادت ملء مصابيح حياتنا بالوقود.. جاءت كحمامة بيضاء وحطت على أجفاننا، كم هو كريم الخالق عندما يمد عروقنا بأحفادنا.. وأسوأ ما حدث لي هذا العام رحيل رضا لاري (أبو أحمد) الصديق والقريب، تاركاً في الحلق غصة طعمها كالمعدن، لم يمهله العمر ليعطي أفضل ما عنده وأفضل ما عنده.. كان ينوي أن يكتب سيرته الذاتية الغنية بالأحداث والأشخاص والمواقف، ولكن من ذا الذي أعطى كل ما عنده قبل أن يغيبه الموت ويصادر عليه أحلامه وأمانيه.. رجل عاش عظيماً ومات عظيماً، اختصه الله بقدرته الفائقة على قضاء حوائج الناس، فكانت هذه الصفة أعلى درجات مُؤهلته للولوج إلى قلوب الخلق، ستظل سيرة آدميته ترشد الناس إلى قبره.. كانت أبشع جريمة شهدها هذا العام ما ارتكبه الداعية!! السعودي الذي عذب ابنته حتى الموت والذي صدر بحقه الحكم بالسجن 8 سنوات والجلد 800 جلدة مع دفع الدية لوالدة الطفلة المعنفة؟؟ ولا يقل عنه بشاعة ما شهدته على شاشة التلفزيون للطفل السوري الذي عذب حتى الموت.. صفعة لِعين المشاهد.. لا يملك المشاهد حيال صورة الصبي الميت مزرقاً ومكدوماً ومقطع الأوصال سوى شهقة.. كنت ضئيلاً ومنكسراً وأنا أشاهد المنظر.. تخلف وهمجية لحد الإفراط وحد الفنتازيا الجحيمية.. كل خلية في جسدي كانت تفور بعصارة سامة.. أما أجمل رواية عربية قرأتها هذا العام فكانت كتاباً للمؤلف «قمر الزمان علوش» بعنوان «بريد تائه» الكتاب عبارة عن رواية مسرحها بلدة يضربها الجراد ومن أبطالها أناس يقطع الزمان أحلامهم ويحول دون تواصلهم حيث تبقى آلاف الرسائل الضائعة في خزينة رئيس مكتب البريد ويأكل الجراد منها الكثير.. الأحداث الدرامية كثيرة.. الوحدة.. العجز.. الشيخوخة.. والجراد.. وفقدان الأحبة في المشهد الأخير من الرواية «أخذت ختماً من أختامه ووضعته في جيب فستانها وقالت له هذا سيجعل لنا شيئاً خاصاً للذكرى».. أما أجمل رواية أجنبية قرأتها هذا العام فكانت «قواعد العشق الأربعون» للتركية «أليف شافاك» رواية تسمو بروحك إلى درجة العشق.. رواية تحبس الأنفاس بالفلسفة والصوفية والرومانسية، احتلت الرواية أفضل مبيعات هذا العام وترجمت إلى معظم لغات العالم.. أما أجمل حوار قرأته فهو ما قالته محاسن الحمصي في حوارها مع حبيبها حين قال لها «منديلك المعطر ينام تحت الوسادة»، لتقول له «يتجدد عطري بأنفاسك كل ليلة»، قال لها «وجهك كبخور المعابد يعشق ولا يحرق»، قالت له «يكفي نصف وجهك كي أراك»!! أما أجمل دراسة قرأت عنها هذا العام فهي أن الإطراء يتغلب على الجنس والتسوق وحتى على الشكولاتة في تحسين مزاج المرأة ونيل رضاها.. أجمل البلدان التي زرتها هذا العام ولم أزرها من قبل فكانت إسطنبول كانت جميلة كلحن كردي عتيق.. جميلة كانعكاس القمر على مضيق البسفورالواقع بين نهري المدينة التي وزعت نفسها بين قارتين فهي في آسيا وفي أوروبا.. مع الشرق ومع الغرب أيضاً وهي كذلك عاصمة للعصور الشهيرة من البيزنطيين والرومان إلى الرومان والعثمانيين، كل إمبراطورية وضعت الأجمل، لا يمكن لأي زائر لمدينة إسطنبول إلا أن يحبها ويتمنى الإطالة فيها أكثر مما ينبغي، فهي مدينة الغواية والسحر والجمال والألفة.. تلُف زائرها بهالة من سطوة الأزمنة والأمكنة ومن ثقافات الشعوب التي مرت بها، ثم تتركه للحنين والشوق للعودة إليها ولو على طيف التذكر والأماني.
أجمل أغنية سمعتها هذا العام كانت لصابر الرباعي من كلمات سعود بن عبدالله وتلحين ناصر الصالح «سلام» سلام مشتاق لأنفاس الكلام.. انت وينك أمس كان الليل حالك.. ليش تجلس له لحالك.. انت وينك.. أجمل الأفلام التي شاهدتها هذا العام كان فيلم «حب» للنمساوي مايكل هنيكه أحد أبرز صناع السينما الأوروبية الحديثة تدور أحداث الفيلم حول قصة زوجين في الثمانين من العمر يتعرض حبهما لاختبار قاسٍ بسبب المرض، فيلم عن حب بحجم الفصول ولغة ملساء وغرام يبدأ ثم ينتهي، ومسنان يرقبان القمر في حسرة بعد أن أفلت خيطه من أيديهما.. حب يتحرك برشاقة سلحفاة.. تحدثه عن قطيع الماعز الذي سد عليهم الطريق مرة مما دفعها إلى الصياح في وجه الراعي الأصم ويحدثها عن الغيمة التي عرقلت الأيام حتى يصبحا عكازين يدبان على الدرب وتجف الساق وتبرد العين ويحدودب الظهر.. الفيلم أحد قصص أفلام القتل الرحيم حيث يقتل الزوج محبوبته إنقاذاً لها من جحيم الألم ويبكي في صمت وهو يخلصها من الحياة وينتهي الفيلم بصمت كبير كالموت!!

في هذا العام صارت أمور كثيرة تشغلني وتلهيني ولم تكن من قبل أوصيكم بها.. صرت أتنفس الهواء بتلذذ وأستمع لأصوات أصدقاء قدماء تأتي من آخر الذاكرة فأذهب إليها وأحتضنها وأمارس حالة من الصوفية بامتياز وأرتشف قهوتي في كوب أخضر مع من أحب، صرت أبحث عن السعادة أينما كانت، وجزء كبير من السعادة أن تقاطع كل ما يؤجج لديك المذهبية والعنصرية والطائفية وينشر فيروس الحقد والكراهية، ودعوتي هذا العام ونحن على أعتاب عام جديد أن يكون العام القادم عام خير وبركات على بلادنا وناسنا تسطع فيه شمس تحقيق الأحلام، وأن يمنحنا رب النعمة القدرة على الحلم، فهي نعمة كبيرة لا يقدرها سوى إنسان في مثل سني لا يعرف سوى الأحلام المؤجلة إلى ما لا نهاية والأحلام المجهضة التي تموت دائماً في مهدها.. فنحن جيل سلب منه حق الحلم مع سبق الإصرار والترصد فتراجعت أحلامنا العريضة مع كل عام يمر بين أيدينا فلا ندركها أبداً.. يا رب اكفنا شر سارقي الفرح ومختطفي الأحلام وبائعي الوهم.. آمين وكل عام وأنتم بخير.