-A +A
علي حسن التواتي
(بريكس) مصطلح مختصر من الحروف الأولى لأسماء الدول الأعلى نموا في العالم لتمييزها عن مجموعة (أو إي سي دي) التي تضم الولايات المتحدة ودول غرب أوروبا ومن لف لفيفهم في شرق آسيا وأوقيانوسيا. وتتكون المجموعة من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. وبالإضافة لقوتها الاقتصادية والعسكرية التي تتجلى في تحقيقها لفوائض مالية هائلة واحتفاظها بمعظم سندات مديونية العالم وحيازتها لترسانات عسكرية رادعة، تتوفر لدى المجموعة قوة سياسية لا يستهان بها تتمثل في احتلال دولتين منها لمقعدين دائمين في مجلس الأمن الدولي، ومازالت الجهود تبذل لإضافة دولتين أخريين هما الهند والبرازيل.
ولقد اتبعت المجموعة سياسة صمت غريبة إزاء مغامرات الولايات المتحدة وحلفائها على الساحة الدولية وشنها لحروب لا طائل من ورائها استنفدت قوى الأخيرين واقتصادياتهم وحملتهم أعلى مديونيات عرفوها في التاريخ الحديث. وبعد أن اكتشف الأمريكان حجم النكبة التي استدرجوا لها في حقبة جمهوريتي آل بوش الأولى والثانية لم يجدوا مناصا من إسقاط الجمهوريين وانتخاب رئيس من الأقليات ما كان له أن يصل للسلطة في تلك البلاد في غير هذه الظروف ولا حتى بعد قرون.

ومع انشغال الإدارة الديموقراطية بالشؤون الداخلية وإصلاح الاقتصاد بدأ عمالقة البريكس الذين يحتفظون بكافة قواهم الوطنية وثرواتهم المهولة بمراقصة النسر الأمريكي على مختلف الساحات ومنها الساحة الدولية. فبعد أن تبين لهم أن النسر الهرم أصبح يفضل توفير الأموال في حرب تغيير النظام في ليبيا فيوكل القيادة لغيره من الحلفاء الأوروبيين ويحجم عن التدخل الفعال في سوريا وغرب أفريقيا علموا أن حاله أصبح حال النسر الذي هبط من القمة للسفح في قصيدة عمر أبو ريشة. وليتهم تركوا النسر الجريح في حاله بل أحبطوا كافة محاولاته لاستصدار قرار بالتدخل العسكري في سوريا رغم أن شعبها يذبح من حليفهم المجرم ذبح الخراف. وحينما حاول النسر الأمريكي أن يستعيد شيئا من كبريائه المسفوح في سوريا وفي مصر وتونس وليبيا والعراق بعد رفض الشعوب للجماعات الطائفية الظلامية التي اجتهد في إيصالها للسلطة بالإعلان عن تحديث خطة التدخل العسكري في سوريا حرك قطبا بريكس الكبيران البغاث الكوري الشمالي ليدفع النسر الهرم بالمخلب الغض والجناح القصير ليجبروه على الذهاب للصين راجيا تدخل قيادتها لإقناع البغاث الكوري بالكف عن لغة التهديد والوعيد بعد أن أصبح قاب قوسين أو أدنى من تلقينه درسا قاسيا على مستوى الإقليم.
وأثناء انشغال النسر الأمريكي بزواج المثليين والسماح بتعاطي مخدر (الماريوانا) رفعت مجموعة بريكس في وجهه تحديا جديدا على الجبهة الاقتصادية باقتراح إنشاء صندوق جديد للتنمية بإدارة وتمويل من المجموعة يبدأ رأسماله بـ 50 مليار دولار ويتزايد حتى يغطي الاحتياجات التمويلية للبنى التحتية للمجموعة والدول النامية الأخرى التي تقدر بـ (4,5) ترليون دولار. ورغم التأكيد على أن الصندوق الجديد سيكون مكملا لصندوق النقد الدولي والترتيبات الغربية الأخرى إلا أن الحقيقة غير ذلك. فلدى المجموعة تحفظات على إجراءات الحوكمة المتبعة في مؤسسات الإقراض الدولية القائمة وعلى تسييس قروضها ومنحها لخدمة المصالح الغربية. ناهيك عن الفساد الأخلاقي والمالي المستشري في تلك المؤسسات الذي ظهر على السطح بدءا من 2007 حين اضطر مدير البنك الأمريكي بول ولفووتز للاستقالة على إثر فضيحة إدارية وجنسية مرورا بخلفه الفرنسي جيرالد دومنيك شتراوس الذي اضطر للاستقالة سنة 2011 بعد فضيحة تحرش جنسي بخادمة في حجرة فندق، وانتهاء بالمديرة الفرنسية الحالية كريستين لاجارد التي فتشت الشرطة الفرنسية بيتها وفتح القضاء معها تحقيقا بتهمة «التواطؤ في اختلاس الأموال العامة والاحتيال» لاحتمال ضلوعها عندما كانت تتولى منصب وزيرة الاقتصاد بتسوية نزاع قانوني يتعلق بإعادة شراء بنك «كريدي ليونيه» لشركة «اديداس» التي يسيطر عليها رجل الأعمال برنار تابي..
ولذلك أتوقع أن تستمر مراقصة عمالقة البريكس للنسر الأمريكي الهرم حتى تصطف إلى جواره كتفا بكتف وقامة بقامة وهامة بهامة بعد إجباره على تقديم المزيد من التنازلات على مختلف الجبهات في الساحة الدولية يوازي ذلك الاتفاق على نظام أمني واقتصادي عالمي جديد متعدد الرؤوس والأطراف يضمن مصالح الجميع ويصبح العالم في ظله أكثر أمنا على مستوى الدول والأقاليم بعد أن ولى عهد النسر الفتي الذي كان ينقض على الفريسة التي يشاء في الوقت والمكان الذي يشاء.
altawati@gmail.com