-A +A
صالح الشادي
لم يعد الوقت ــ كما كان عليه في السابق ــ ملكا لأصحابه.. ولم تعد حركة التنقل والتواصل الشخصي ميسرة كما كانت عليه، نظرا لتسارع عجلة الحراك الجمعي؛ لذا فقد استعانت حكومات أكثر الدول تقدما بالتقنية الحديثة، واستخدمت العمليات الذكية لإنهاء الإجراءات المتوالدة. سعيا نحو الاختصار وسرعة الإنجاز، وبما يتناسب مع ظروف الناس وطبيعة حياتهم، ودون التأثير على مصالحهم وأعمالهم. الروتين والبيروقراطية.. جزء من الإرث الإداري العثماني ــ الذي تم نقله عن أعتم الحقب الإدارية في أوروبا ــ لازال يقبع على أنفاس الكثير من رواد الإدارات الحكومية في العالم العربي.
ولازالت مبادؤه الأولى تشكل ثقلا حقيقيا على نمط الحياة اليومية وانسيابيتها. إذ كانت الكثير من المعاملات خلال فترة الحكم التركي تأخذ طريقها سفرا ذهابا وإيابا، من قرية إلى مدينة، وصولا إلى «الباب العالي» كي تنجز، ويتم إبداء الرأي حولها..

وكانت الرقعة الورقية تعود لصاحبها وقد بليت من كثرة الأحبار والأختام والتواقيع والشروحات التي لا تنتهي، وتصل دون حل غالبا!.
والمجتمع البيروقراطي يمثل ــ بمفهومه العام ــ فئة من كبار الموظفين الحريصين على استمرار وبقاء نوع من القوانين يتناسب بطبيعته مع مصالحهم الشخصية؛ وحفاظا على هذا الامر؛ ينتهجون آليا أسلوبية التقيد الحرفي بالقانون، وبشكلياته.. ويفعلونه بنمطية جافة لاتعبر ــ في المجمل ــ عن قناعتهم، ولا عن معناه ولا عن روحه ومغزاه.. مما ينتج ذلك الداء المسمى بالروتين..
أحدث الدراسات حول الذكاء الإداري ذكرت بأن «أكثر الدول تخلفا في جانب المنجز (الإنساني) هي تلك التي يعشقها الروتين» فالتباطؤ في آلية إصدار القرار، واجتناب المرونة في تطبيق روح التشريعات، وإحراق بركة الوقت دون طائل،.. من شأنه أن يشغل البعض عن مصالحهم الدنيوية وعن رسالتهم التي يكدحون لأجلها، بكثرة الغياب والذهاب والإياب، الأمر الذي قد يؤدي إلى خلق حالة (باطنية) من عدم الرضى، ومن الملل.. تقود في نهاية المطاف إلى قهقرة العمل التنموي، والذي يقوم عماده على همة الإنسان الذي لا يحفزه شيء.. كصدق الانتماء. طوبى للمخلصين.