-A +A
علي فقندش

عندما تذكر الموسيقى السعودية أو روادها لابد من أن يكون عبده مزيد في الخاطر إذا لم يكن في صميم الوجدان فإنجازاته من أجل الموسيقى شاخصة أمام الأعيان بشكل أو بآخر فقد كان ملء السمع والبصر ولايزال له أثر جليل في القلب والذاكرة وكأنه إكسير الحياة الفنية السعودية في دنيا الموسيقى والغناء، ذاك لارتباطه الكبير وغير المحدود مع معظم أعمالنا الغنائية ومطربينا من ناحية ومن ناحية أخرى مع كثيرين من زملائه الملحنين و «الملحنين المطربين» الذين كان يكتب لهم نوتات ألحانهم وموسيقاهم. أيضا هناك ارتباط غير مقدس بينه وبين الحياة الفنية التي رغم أنه واحد من نوابغها بل وأعطاها جل عمره إلا أنه «لم يصدق أن جاء سن التقاعد عن العمل الحكومي إلا وترك كل أسلحته الفنية وذات العلاقة جانبا ليعلن اعتزاله الحياة الفنية بالتزامن مع تقاعده من العمل الحكومي كقائد لفرقة الإذاعة والتلفزيون الموسيقية «المايسترو» .. ولم يبق له من تعامل في حياة ودنيا الفن إلا تلك الأمسية الأسبوعية لصديقه الأقرب وزميل مشوار شارع الفن الطويل محمد عبده الذي ترافق معه، ومنذ إعلان عبده مزيد العصيان والتمرد على مدرسة موسيقى الجيش في الطائف يرافقه كثيرون منهم عبدالله ماجد وعلي باشا وحمزة بشير ومحمد مهدي الزهراني والفنان عبدالله محمد ومحمود عشي «عازف القانون والتشيللو» وتواب عبيد، وكثيرون غيرهم ليغير بعضهم اتجاهه من النحاسيات وآلات الجيش إلى الوتريات..



عبده مزيد حجة الموسيقى السعودية ظل طويلا أحد الأسماء الموسيقية الوهاجة المتميزة حيث برق ولمع منظر المايسترو مزيد وهو يشير بعصاه التي ترمز بلغة موسيقية إيحائية من على خشبات مدرجات الغناء حيث يومىء بإشارة يده وبعصاه فيدرك العازفون والمطربون تلكم اللغة فيتجاوبون ويتفاعلون معه فيبدعون أعمالا موسيقية طربية تأخذ بمجامع الأسماع والقلوب.. وعلى مدى عقود وعلى مسارح الغناء في المملكة تحديدا كان اسم عبده مزيد يقف كـ «مايسترو» إلى جانب سامي إحسان ومحمد شفيق وأستاذ الموسيقى الكبير الراحل مهران بالخيان وقبل كل أولئك عميد الموسيقى والفن السعودي طارق عبدالحكيم يبرق بلغة لا يفهمها إلا الموسيقيون والمطربون الكبار وبعض المهتمين.. وعبده مزيد الذي قدم ألحانا قليلة نسبة إلى مؤلفاته الموسيقية العظيمة في روعتها ونسبتها العددية نشبهه بالموسيقار الرائد الراحل أحمد فؤاد حسن الذي صنع مجدا للموسيقى في مصر من خلال تأسيسه الفرقة الماسية وتنويته لكثير من أشهر أغنيات فنان الأجيال وموسيقارها محمد عبدالوهاب «أغنيات ومقطوعات» بعد تجربتي عبدالوهاب مع اليوناني اندريه رايدر والمصري العبقري علي إسماعيل.. ومن أوجه الشبه بين مزيد وأحمد فؤاد حسن ندرة تعاملهما مع التلحين فالأخير قدم عددا قليلا جدا من الألحان والأغنيات مقابل المؤلفات الموسيقية، ولكن بيضة الديك منه كان لحنه الأكثر روعة بصوت وردة الجزائرية «جيت في وقتك» التي أنصح قرائي الأعزاء بسماعها الليلة قبل الغد لتنظيف الأذان من بعض الغناء الراهن، عفوا لتنظيفها من بعض الغثاء !، إلى جانب ماقدمه من تابلوهات استعراضية لنجوى فؤاد عندما كان زوجا لها في مطلع حياتها الفنية.



من هو ؟



هو عبده مزيد جبريل وشهرته عبده مزيد قائد فرقة الإذاعة والتلفزيون في جدة لما يقرب لربع القرن وزمن مماثل قبل وبعد قضاه في الاشتغال في هذا الجانب الإبداعي من الفنون فهو موسيقي سعودي بارز قاد فرقة الإذاعة والتلفزيون الموسيقية رسميا وفي نفس الوقت كلف بقيادة الكثير من الفرق الموسيقية غير الرسمية أيضا في الكثير من المهرجانات أو الفرق الموسيقية في المناسبات الثقافية والخاصة.. ولد عام 1359هـ الموافق 1940. التحق بالمدرسة التحضيرية العسكرية بالطائف في 6/2/1374هـ الموافق 1954حيث درس الموسيقى وتعلم النوتة وتخرج عازفا على آلة الساكسفون في نفس العام.. التحق بفرقة موسيقى الجيش في الطائف بداية الثمانينات الهجرية وتلقى فيها دورة موسيقية، ثم انتقل إلى جدة مع نفس الفرقة عام 1383هـ والتي كان يقودها الموسيقار العميد طارق عبد الحكيم.. انتقل إلى وزارة الإعلام ــ سابقا ــ عام 1383هـ كموسيقي متعاون مع الإذاعة والتلفزيون، وظل حتى عام 1387هـ يعمل متعاونا مع الفرقة كعازف وينوت ألحان زملائه الملحنين والمطربين بحكم تفوقه في دراسته الموسيقية واعتبار زملاء الموسيقى لعبده مزيد أنه حجة في الموسيقى، وكان من أكثر ما يذكر أنه قام بتنويت أول لحن يقدمه الموسيقار محمد شفيق قبل دراسته الموسيقى في القاهرة ــ عافاه الله ــ وكان لصوت طلال مداح.. ثم تفرغ بعدها للعمل بفرقة موسيقى الإذاعة والتلفزيون وتدرج في وظائفها حتى نائب رئيس الفرقة ثم رئيسا للفرقة الموسيقية حتى تقاعد عام 1418هـ. وهنا يقول عبده مزيد: خلال هذه الفترة الأربع سنوات قبل التعيين جاءت وظائف مسابقات حكومية وعلى الدرجة التاسعة ثم قبلت بوظيفة الموسيقي التي كنت انتظرها حتى وهي على الدرجة السادسة فقط.



لنجمنا اليوم ابنان محمد، ياسر «دبلوم شبكات وبرمجة كومبيوتر» وله سبع بنات، قدم خمس مقطوعات موسيقية وسماعيات بأسماء خمس منهن «هيام، دلال وهي خريجة علوم طبية ومدرسة في نفس الوقت، تهاني متزوجة وتعيش مع زوجها في القاهرة، سماح، غالية، هدى تخرجت من أكاديمية الدكتور سليمان فقيه، شريفة تدرس علوم طبية واختار لها عبده هذا الاسم تيمنا باسم والدته.



مؤلف موسيقي



وقليل من التلحين لا يضر..



إلى جانب عمله كمايسترو كانت مؤلفاته الموسيقية قد ملأت مكتبة الإذاعة وارشيفها وقدم أيضا الكثير من الألبومات الموسيقية في سوق الكاسيت منذ نحو ثلاثة عقود وكانت أولى مقطوعاته الموسيقية بعنوان «هيام»، ثم توالت أعماله الموسيقية التي لازمت العديد من الأعمال الإذاعية وكذلك المقطوعات التلفزيونية ومن أشهرها مقطوعات السواني، تغريد.



قام بتلحين عدد من المونولوجات التي قدمها حسن دردير بصوته من أشعار إبراهيم خفاجي في السبعينيات الميلادية بتكليف من محمد عبده كمنتج يومها.. ومن أشهر ما قدم كملحن كانت أغنيته بصوت الراحل حيدر فكري من كلمات الراحل صالح جلال «من العايدين»، وهي من أشهر أغنيات مناسبات الأعياد واهتمت بها الإذاعة وقدمتها



كثيرا، إلى جانب أغنيات طلال مداح ومحمد عبده لهذه المناسبة وهي «أقبل العيد»



و «من العايدين ومن الفايزين»، وقدم لحنا واحدا للفنان محمد عمر «أغنية وطنية...، معافى والله ياوطني .. من كلمات نجيب بطيش»، وأبدع عددا من الألحان للفنان المحتجب عمر الطيب من أبرزها «جاني جواب منه» من كلمات الراحل صالح جلال الذي كتب كل أغنيات عمر الطيب التي لحنها عبده مزيد الذي لم يمتهن التلحين كما التأليف الموسيقي.



له في مكتبة الإذاعة ما يزيد على 50 مؤلفا موسيقيا منها: مزيد، ود، جدة، الجزيرة، وغيرها.. ورغم طرح مزيد في الأسواق ألبوما ضم بعض المقطوعات الموسيقية كمؤلفات وموسيقى الأعمال الدرامية وبرامج المنوعات إلا أنه ظل مطالبا بكتابة «النوت» الموسيقية للعديد من المطربين مثل محمد عبده الذي كتب له نوته الموسيقية لمدة 20 عاماوعن هذا يحكي عبده مزيد أن محمد عبده هاتفه من الرياض لتنويت أحدث ألحانه«من بادي الوقت» ليقدمها في برنامج تحت الأضواء تلفزيونيا وكنت في جدة.. أرسل لي بتيمة الاغنية وبعث بها سريعا إليه، وكذلك لطلال مداح ولعبادي الجوهر ومحمد عمر وحسين قريش وغيرهم الكثير.. كما قام بتنويت الكثير من الأغنيات لغير السعوديين منها مايقوله عبده مزيد:



كنا في حفل فني كبير في أبو ظبي وكان إلى جانب محمد عبده الفنان الكويتي الراحل الكبير عوض الدوخي الذي لم تكن معه نوت اشهر أغنياته التي سيقدمها في الحفل، كذلك الفنان اليمني الكبير محمد مرشد ناجي، كما قمت بتنويت الكثير من الاغنيات للفنان الكبير ابو بكر سالم بالفقيه.



«ليل السهارى، يابو فهد» ... مثل المملكة في كثير من المناسبات الخارجية منها الأسبوع الثقافي في كل من المغرب والجزائر وتونس بين عامي 1974، 1986. وحفل لوس أنجلوس أثناء الدورة الأولمبية عام 1984. ومعرض اكسبو في كندا عام 1986م... وشارك في مهرجان الأغنية الخليجية الأول في البحرين.. وله العشرات من المشاركات الداخلية على المستوى المحلي من مهرجانات شبابية وغيرها.. وفي مهرجانات الصيف الغنائية في مختلف مدن المملكة.



ومما لايسقط من الذاكرة مشاركة عبده مزيد قائدا للفرقة السعودية بترشيح من الموسيقار سراج عمر في جولة فنية سعودية مع عدد من المطربين السعوديين من مختلف الأجيال منهم محمود خان ومنصور أبو عيش ونايف البدر وغيرهم لتقديم الألوان التراثية السعودية في مصر، وكان ذلك في القاهرة ثم في بني سويف وكانت الجولة تحت إشراف سراج عمر.



مع محمد عبده



علاقته مع محمد عبده تعد من أوثق الالتقاءات التي تجيىء بشكلها وبجوهرها، زمالة وصداقة في آن .إذ إنهما عملا معا طوال مشوارهما الفني، وكان عبده مزيد قد سمى إحدى سماعياته «من المؤلفات الموسيقية» باسم ابنة محمد عبده «ود» التي تزامن موعد ميلادها مع تأليفة للمقطوعة.. كما أنه لحن لصوت المطرب المحتجب أغنية خاصة بزفاف محمد عبده ونجوى البنوي يومها في العام 1978 وكانت من كلمات نجيب بطيش .. كما أن عبده مزيد عضو أساسي في «جمعوية» العشاء والبلوت التي يجمعنا فيها محمد عبده في كل جمعة يكون فيها في جدة ومن أعضائها الدائمين محمد شفيق وعبده خال ومحمد شاكر وياسر سلامة وعلي مختار وفريد مخلص، وغيرهم. وكان محمد عبده قد خصص إحدى تلك الأمسيات في العام 2009 للاحتفاء بصديقه والعزيز عليه عبده مزيد..



في الأوبرا المصرية



ومما يفخر به عبده مزيد ويفاخر قيادته الفرقة الموسيقية في دار الأوبرا المصرية في يومين متتاليين في تقديم أعماله الموسيقية في الدار بقيادته والتي كانت مقررة لليلة واحدة وطلبت مديرة الدار الدكتورة رتيبة الحفني أن تعاد الليلة نظرا لنجاحها الكبير ومردودها على رواد الأوبرا من السميعة والفنانين ذوي الاختصاص في مجال الموسيقى، ويومها قدم الأمسيتين باسم مقطوعته الشهيرة «ود»، كما قدم أشهر مقطوعاته «الحسناء» التي اشتهرت باسم «صباح النور» وكانت تقدمها الإذاعة السعودية كل صباح تقريبا.