-A +A
الصنيعة الدعائية فن من فنون الذائقة اليوم، لقد تصدر هذا الفن الواجهة، فلا نجاح أو مكاسب تتحقق بعيدا عنه، فهو علم مستقل بذاته، تؤسس له الشركات العالمية، وترصد له المبالغ المالية الضخمة، وتستقطب للعمل فيها ومعها كبار المختصين في علم النفس، وعلم الاجتماع وكذلك (الانثربولوجيا) -علم دراسة الانسان-، فغدت الآلة الدعائية تدخل وتتدخل في كل مفاصل الحياة وما يتعلق بالإنسان، بدءا من انتخاب رئيس أكبر وأقوى دولة في العالم إلى شراء معجون الأسنان وماكينة الحلاقة، هذا هو عصر (الإعلام الدعائي) فالرئيس (أوباما) قاد حملته الانتخابية فريق متكامل، مهمته الترويج له، ويظهر للناخب، أجمل الصور، وأن لا مستقبل لأمريكا إلا بقيادة أوباما. لقد توارى -مع شديد الأسف- دور الإعلام الصادق الذي يطرح القضايا المحلية والعالمية والإنسانية بحيادية وموضوعية، فالدعاية تدرس أحوال الناس وأوضاعهم، ما يحرك فيهم المشاعر والغرائز ويلهب العواطف، وبالتالي يدفع بالناس والمجتمعات المستهدفة إلى تحويل بوصلة اتجاههم إلى حيث يريدون مما ابتكرته عقولهم من برامج توقع بالعقل فريسة لأوهامها وحبائل خداعها؛ فالترويج لمنتج في العالم الأول له من البرامج والوسائل ما يختلف كلية عندما يستهدفون مجتمعات العالم الثالث. فأنا وأنت نشتري سلعة أو نساند رأيا، وندعم فكره ونعتقد أننا أحرار في هذا الاختيار، وقد لا نكون كذلك، بل إن الدعاية بلغت مبلغا لم نقدر على مفاوضته، فتغلفت في النفس والوجدان وباتت جزءا من رغباتنا وتوجهاتنا ومسافاتنا إلى اتخاذ القرار ونحن بكامل الأهلية المعتبرة شرعا ومجتمعيا. ونعتقد -ونحن صادقون- أن هذه قناعاتنا. إلا أن الحقيقة غير ما نتوهمه والأحكام التي نتبناها ونصدرها خلاف ما توجبه علينا الأوضاع والمصالح، وهذه المرحلة من أخطر المراحل في اعتقادي، لأننا لم نعد ندري وندرك أننا موجهون كامل التوجيه وأن الآلة الدعائية هي من أوصلتنا الى حيث ما تريد هي لا ما نريده نحن.
أحمد سعيد الغامدي