-A +A
حمود أبو طالب
انتهت أمس آخر مشاهد الحدث التأريخي الذي تابعه العالم منذ بدايته في الثامن من هذا الشهر. أحد عشر يوماً مليئة بأخبار العالم المختلفة وقضاياه المهمة، لكنها لم تتقدم على الحدث الأهم، وفاة الملكة إليزابيث الثانية، ملكة المملكة المتحدة والملكة الدستورية لأربع عشرة دولة من دول الكومنولث، صاحبة أطول فترة حكم في بريطانيا في التأريخ الحديث، والتي لم يعرف شعبها حاكماً غيرها على مدى سبعين عاماً تمثل قرابة ثلاثة أجيال يعتبرونها الرمز العظيم والجميل لعراقة وعظمة بلادهم.

ما الذي يجعل طوابير البشر تصطف أميالاً على جنبات الطرق التي مر بها جثمان الملكة إليزابيث ابتداءً من قلعة بالمورال حتى تشييعها إلى مثواها الأخير، وما الذي جعل حشود الناس تغادر منازلها وتنتظر ساعات طوالاً لإلقاء نظرة أخيرة عليها، وما الذي جعل مليارات البشر تتابع تفاصيل الاستعدادات الاستثنائية لجنازتها على مدار أيام، وما الذي جعل زعماء وقادة العالم يتوافدون إلى لندن للتعزية فيها.


إنها الرمزية لدولة عريقة ونظام حكم تأريخي مستقر تمثل فيه الملكة الرمز والخصوصية والثبات والمرجعية دون الإخلال بالديموقراطية الراسخة التي لم تصل إلى مستواها الكثير من ديموقراطيات الدول، وتعتبر نموذجاً فريداً بلورته قرون من التجربة المتراكمة. في الأيام الأخيرة للملكة إليزابيث شهدت بلادها هزة قوية مفاجئة باستقالة رئيس الوزراء ووجوب انتخاب بديل له، ولكن مضى كل شيء بسلاسة وهدوء، وذهبت رئيسة الوزراء لمقابلة الملكة قبل يوم من وفاتها، ومضت الحياة بإيقاعها المعتاد دون خلل رغم تلك الظروف المهمة.

الديموقراطيات الحقيقية لا خوف على استقرارها ومستقبلها لأنها تستند على مرجعية دستورية واتفاق وتوافق شعبي وإلا ما كان لها الاستمرار لقرون، أما الديموقراطيات المزيفة التي يخترعها ويزيفها الطارئون الذين يقفزون إلى السلطة في لحظة غفلة من التأريخ فإنها وبال على الشعوب وخراب للبلدان.