-A +A
خالد الفرم
Think Tanks.. أو خزانات التفكير باتت اللاعب الرئيس في مسار التفكير الاستراتيجي، وصناعة القرار السياسي في الدول الناضجة.. فمراكز الدراسات الاستراتيجية بما لها من استقلالية فكرية ومالية ومنهجية بحثية، وما تمتلكه من طاقات وقنوات يسمح بها وضعها غير الحكومي، أصبحت مصدراً خصباً لإنتاج المعلومة، وتحليلها وتوزيعها واستثمارها سياسياً واقتصادياً.
ففي الولايات المتحدة تنبأ مركز الدراسات الاستراتيجية العالمية بكثير من الأحداث العالمية التي غيرت الخارطة السياسية المعاصرة، كما وضع المركز سيناريوهات مفترضة لأحداث قادمة، وكيفية توظيفها ومعالجتها، فمديرة برنامج العالم الإسلامي في المركز شيرين هنتر كانت أبرز المحللين الذين تنبأوا بغزو الكويت عام 1990، كما كان باحثو المركز أول من لفت انتباه صناع السياسة الخارجية الأمريكية بحدوث انشقاق سياسي بين الاتحاد السوفيتي وجمهورية الصين الشعبية بعد أعوام طويلة ظنت خلالها الإدارات الأمريكية أن الدولتين الشيوعيتين كانتا على علاقة وطيدة.

هذا الاستثمار في المعلومة والفكر، يتماهى والفكر السياسي الحديث، الذي يرى أن من يملك المعلومة يملك القوة، والقوة لم تعد عسكرية إنما معلوماتية، وهو ما ينسجم أيضاً والتوجه الاقتصادي العالمي الجديد نحو الاستثمار في اقتصاديات المعرفة.
هذه الصناعة والثقافة غائبة في المنطقة العربية، التي لا تزال تعيش فقراً مدقعاً في صناعة التفكير وبناء هذه المراكز واستثمارها، لأسباب قانونية وسياسية، وأخرى تمويلية، فالمراكز السابقة تعمل وفق ميزانيات سنوية تتجاوز الثلاثين مليون دولار، ويأتي تمويلها من مؤسسات المجتمع المدني والتبرعات والأوقاف والإصدارات والدعم الحكومي، وهذا يستدعي ثقافة سياسية رفيعة، تستوعب وتستثمر المكونات الوطنية كافة، لجهة إدراك أهمية المعلومة، والقيمة المضافة إليها، فلازالت المكينزمات التقليدية سائدة في آلية صناعة القرار العربي، بسبب فلسفة تقديم الثقة على الكفاءة، والاعتماد على الفردانية في صناعة القرار أو الاستراتيجيات، بالرغم من أن الاستراتيجيات نتاج تفكير جمعي متخصص، وليس رؤية فرد أو لجنة يتم اختيارها وفق التراتبية الوظيفية، وليس الموهبة الفكرية أو التخصص.