-A +A
صدقة يحيى فاضل
منذ قيامها في عام 1948، وإسرائيل وأنصارها يسعون سعيا محموما لـ«تصفية» القضية الفلسطينية، وطمس جريمتهم النكراء الكبرى هذه، باغتصاب فلسطين، وتشريد أهلها. هم لا يريدون «حل» هذه القضية، بما يضمن تحقيق الحد الأدنى من العدالة، بإعطاء الفلسطينيين بعض حقوقهم المشروعة في أرضهم، لذلك ترفض إسرائيل كل الحلول التي تضمن هذا الحد (الأدنى) من الحقوق. وما فتئت تحاول تقديم حلول هلامية، لن ينتج عنها الحل المقبول والمأمول، بل سيؤدي الأخذ بها إلى التصفية المأمولة صهيونيا، والمرفوضة عالميا، وفلسطينيا، وعربيا. وآخر محاولات التصفية هي الخطة التي قدمها الرئيس الأمريكي ترمب، وصهره «جاريد كوشنر» يوم 28 يناير 2020، والتي أشير إليها بـ«صفقة القرن»، وهي خطة إسرائيلية بامتياز. وها هو القيادي الفلسطيني صائب عريقات يقول، في مقابلة صحفية معه: «إن هذه الخطة هي إسرائيلية الأصل والمنشأ، وسبق أن قدمتها الحكومة الإسرائيلية، ومجلس المستوطنات لي سنة 2011، كإطار للتفاوض»، ولكن هذه الخطة رفضت بشدة، عندئذ، وهي ترفض الآن فلسطينيا وعربيا وإسلاميا وعالميا.

وقادة الفلسطينيين ما زالوا ينادون بالحل السلمي العادل. ويؤكدون أن شعبهم هو أكثر من يتضرر من عدم السلام، ويستفيد من السلام. بل وما من إنسان سوى محب للسلام، كاره للصراعات والحروب، بهذه الكرة الأرضية، إلا ويرغب ويتمنى أن ينتهي الصراع العربي - الإسرائيلي، عدا غلاة الصهاينة الذين يعتبرون هذا الصراع حتميا، ويرون في استمراره تحقيقا تدريجيا لأهدافهم التوسعية العدوانية بالمنطقة، وتمهيدا لهيمنتهم الإقليمية المبيتة. ويظل المطلوب هو الحل العادل (حل الدولتين) المجمع عليه، عالميا.


****

لقد أجمعت غالبية دول العالم، وأغلب منظماته الدولية الحكومية وغير الحكومية، بما في ذلك منظمة الأمم المتحدة، على أن «حل» هذا الصراع يستوجب «متطلبات» أصبحت محددة وواضحة ومعروفة، بحيث أن إيفاءها سيعني حل وإنهاء هذا الصراع تلقائيا. وبدون استيفاء هذه المتطلبات لن يوجد حل، وإن طال الزمن. هناك ظلم فادح أنزل بشعب بأكمله، اغتصبت أرضه، وشرد من دياره، ليحل فيها مهاجرون من شتى البلاد، بحجج أوهى من خيوط العنكبوت. وتستميت حكومة إسرائيل الآن لاختراق الأمة العربية تماما، وفرض نفسها، بقضها وقضيضها المعروف، على العرب. ومن المؤسف حقا أن تجد استجابة ممن تنطبق عليهم الأسباب/‏ الصفات الأربع (الاستفادة المريبة، الجهل، النفاق، الفساد) عربا وعجما. ولكن من المفرح حقا أن نتذكر أن حوالى 96% من أبناء الشعوب العربية -كما جاء في إحدى الدراسات العلمية الرصينة- ترفض «التطبيع» مع إسرائيل، ما لم تحل القضية الفلسطينية بما يحقق الحد الأدنى من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. فقط 4% من هذه الشعوب يبدو أنها «متصهينة».

****

وها قد أعلنت «صفقة القرن»، ونشرت بكامل تفاصيلها، وأهمها: إقامة دويلة فلسطينية منزوعة السلاح والسيادة، مكونة من كانتونات شبه متصلة، على حوالى نصف الضفة الغربية وقطاع غزة، وثلاث بؤر متفرقة. وتكون هذه الدويلة منحصرة بالكامل داخل إسرائيل، ولن تكون لها حدود مع الأردن (تذكرنا بكانتونات جنوب أفريقيا العنصرية البائدة)، حيث إن غور الأردن شرق الضفة الغربية يكون تحت سيطرة وسيادة إسرائيل التامة. وتضم إسرائيل إليها للأبد حوالى نصف الضفة الغربية المتبقي، بما فيها من مستوطنات. وتكون القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، بينما يخصص مكان شرق القدس (ويسمى القدس الشرقية) كعاصمة لدويلة فلسطين. ويسقط حق العودة، وتضم الجولان لإسرائيل..!

مقابل ذلك، يعترف الفلسطينيون والعرب بإسرائيل كدولة قومية خاصة باليهود فقط، وهذا يعني عدم أحقية وجود العرب أو غيرهم بإسرائيل، ويتحتم على العرب الاعتراف الكامل بإسرائيل، وتطبيع العلاقات معها، الأمر الذي يفتح معظم العالم العربي أمام الصهاينة ليتمكنوا، بشكل أكبر، من تحقيق أهدافهم المعروفة في الأرض العربية.

****

لقد توصلت غالبية دول العالم بقاراته الست إلى أن حل هذا الصراع لا يمكن أن يتم إلا عبر «إرغام» إسرائيل والضغط عليها، للاستجابة لمتطلبات السلام المجمع عليها فلسطينيا وعربيا وإسلاميا وعالميا. فالحل يكمن إما في إقامة دولة واحدة، يعيش فيها سكان فلسطين/‏ إسرائيل على قدم المساواة، أو إقامة دولتين مستقلتين. وإسرائيل ترفض هذين الحلين، وتصر الآن على أن «الحل» هو في «صفعة القرن». ولهذا الحديث تكملة وصلة.

* كاتب سعودي

sfadil50@hotmail.com