تابعوا عكاظ على
Google News Account
هكذا مررنا في الحلقتين السابقتين على شاعرنا الكبير محمد العلي، وهو يلم شتات ماتبقى من طفولته ويتجه صوب النجف، حيث يمعن في التعلم حسب الشرط العائلي والتوجه العام، ثم يتجه بعد ذلك في لحظة انفصال إلى التعلم حسب مايريد، وهو في كل ذلك كان محاصراً بالشعر، وإن كانت البداية محفوفة بالأصدقاء ورفاق أسرة الأدب اليقظ، إلا أنها بعد ذلك اختطت مساراً خاصاً بها واختارت أفقاً تتجه صوبه دائماً.. ممعنة في الزرقة والبحر.. ونخيل الجزيرة.. ولأنه اشتبك في كل هذا وهو في قلعة الشعر الحديث، أو حاضنته العراق فلا بد أن يصطدم بأصوات السياب ونازك الملائكة.. اللذين أسسا لما يعرف بعد ذلك بالشعر الحديث. وهنا نبدأ من حيث انتهت إليه الحلقة السابقة عن الشعر الحديث وموقف أسرة الأدب اليقظ منه ونفتح مساحة أكثر للضوء كي يشع ولأبي عادل أن يبوح ونلقى تعريفاً أدق على هذه المرحلة. هنا تنتهي اجابة العلي ولكن لإلقاء مساحة أكبر من الضوء على هذه المرحلة سنلتقط اجابة له نشرتها مجلة النص الجديد على سؤال للشاعر علي الدميني حيث يقول ابو عادل: وفترة السياب ونازك الملائكة وهي بلا شك الفترة الفاصلة في تاريخنا الشعري عشتها ودعوني أعود بالذاكرة الى تلك الفترة واتذكر مجلة “الكتاب” العراقيين وهي مجلة لم تستمر أكثر من ثلاثة أو أربعة اعداد، لان الجانب السياسي في العراق كان سريع الجريان وكان الصراع بين اليساريين وبين الفكر القومي أو بين اليساريين والفكر الليبرالي كان سريعا وحادا مما أدى الى عدم استمرارية المجلة.
وفي العدد الأول من المجلة نشرت قصيدة للسياب وقصيدة لي ويا للمفارقة.
فرح الموت
قصيدتي كانت في رثاء شخص القصيدة هي (فرح الموت) كتبها الشاعر في رثاء عمه السيد محمد باقر الشخص (1315 / 1381هـ) وهي من المراثي العمودية الفاقعة اللون وكان مطلعها
أكذا يقذف البراكين نبع
أكذا جهث القاع بعيني/ أكذا يرهف الصوارم درع؟
أكذا تجبن الحياة وللموت/ ويكبو الفجر الندي المشع؟
على ساعدي ينهال وقع؟
كل نت ايماءة الربيع با بعادي
انى نظرت ينداح فرع
فلماذا اصبحت نبع سهام
لفؤادي وكان لي منك ضلع؟
.. صحيح ان قصيدتي تعبر بلغة حديثة، ولكن جوها العام تراثي صرف وفاقع، أما قصيدة السياب فكانت “رؤيا فوكاي” وحينما قرأت قصيدة السياب وفيها يقول:
ما زال ناقوس أبيك يقلق المساء
بأفجع الرثاء:
(هياي.. كونغاي.. كونغاي)
فيفزع الصغار في الدروب
وتخفق القلوب
وتغلق الدور ببكين وشنغهاي
من رجع: كونغاي، كونغاي!)
قمت أضحك وأتساءل: (ويش جاي يقول.. ويش جاي يلخبط السياب.. كنت اعتبر أن قصيدتي هي المجلة كلها، لم يقل لي أحد ان هذا شعر حديث، وأن مرحلة جديدة قد بدأت حيث لم يكن هناك جدل في المنتديات الأدبية حول هذا الشعر.. أنا الذي اكتشفت السياب لوحدي، واكتشفت المرحلة لوحدي بعد ان عدت إلى المملكة).
في منتدى خوجة
ولتوضيح اكتشاف العلي للشعر الحديث قبل اكتشافه للسياب لابد ان نستعيد شهادته التي قالها في منتدى عبدالمقصود خوجة حيث يكشف لنا عن دهشة الاكتشاف الأولى بقوله (الشيء الذي شدني الى الشعر الحر الواقع ليس صدفة، وانما كان بائع كتب كان يجلس على الرصيف في شارع الرشيد، ولم يكن بالامكان في ذلك الزمان ان نشتري كتبا، انما نلتقطها من على الأرصفة، كانت قيمة الكتاب 20 فلسا، اشتريت ديوانا لشاعر سوداني اسمه صلاح ابراهيم، كان الديوان يضم شعرا حرا، منه هذه القصيدة التي اقرأ لكم بعضها، هذا الشاعر ذهب الى لندن، ويبدو أن عمره كان عشرين عاما وهناك تعرف على شعراء ومنها انبثقت قصيدته هذه، يبدو ان اسمها ماري فهو يحولها، ويحول اسمها الى ماريا، وفي هذا ما فيه من اعطاء شحنة هائلة للاسم يقول لها:
(يا ماريا
ليت لي ازميل فدياس
وروحا عبريقيا
وامامي تل مرمر
لنحتت الفتنة الهوجاء في نفس مقاييسك
تمثالا مكبر
وجعلت الشعر كالشلال
بعضنا يلزم الكف
وبعضنا يتبعثر
وعلى الأجفان ليل يتعثر
وعلى الأهداب لغز لا يفسر
وعلى الخدين نور يتكسر
وعلى الأسنان سكر).
وهنا وباكتشاف العلي لجماليات الشعر الحديث من شاعر سوداني بعيد عن معترك الثورة الشعرية التي يقودها السياب والملائكة في العراق ووصل صداها الى كل الوطن العربي نتوقف.. لنبدأ مرحلة جديدة.
أخبار ذات صلة