-A +A
علي الرباعي (الباحة)

لم يعد الشعر هو الوزن والقافية والإيقاع وتطريب الجمهور، بل غدا تجربة حياة يعبّر عنها كل شاعر بطريقته ومذهبه الفني الخاص، وتتشكل فضاءاته من خلال تعدد وتنوع قراءات الشاعر ومرجعياته.

وفي أمسية الشاعرين علي الحازمي وسلطان السبهان في «أدبي الباحة» مساء اليوم (الأربعاء) تأكيد على استجابة المتلقي للتطوير الذي شهده النص الشعري حد تجاوز أوزان الخليل وبحوره، بحكم أن دلالة اللفظ لم تعد قاصرة على معان وضعها الأسلاف وعلّبوها لنا لنكون محكومين فنياً بتجارب من في القبور.

بدأت الأمسية بالشاعر الحازمي الأوفر حظاً تجريباً وترجمة، فتلا من نصوصه العالمية «أنا معي، أنا كثيرٌ في غياب أحبتي أنا معي لا شيء ينقصني» و«زواج الحرير من نفسه» و«حين تبذرنا شمس آب»، ورسم عبر اللغة المتجددة من داخلها أفقاً أطل منه الحضور على أمكنة وأزمنة وأناس لتجمع لغته بين أنسنة الحكايات الواقعية واستحضار المتخيل في علاقة الأرض بساكنيها، وتحويل المفردات إلى ما يشبه صورا سينمائية، وتبوأ الحازمي بتجريبه في النصوص مرتقى عبقاً بأنفاس المساء والأحلام.

فيما ألقى السبهان الحائز على جائزة أمير الشعراء في موسمها الثامن عدداً من القصائد منها «وتلومني» و«مجداف الحقيقة» و«لنا صنم من الحكم القديمة لا نغادره نزخرفه ونأكله إذا جعنا» و«الشعراء» و«قهوة شمالية»، وبرغم تعبيره عن كراهيته للبحر وتعلقه بالصحراء إلا أن قصائده ارتبطت بمائية من خلال حضور البحر والقوارب الرمزية وتجلت خليلية الشاعر التي تحتكم إلى القاموس العربي التقليدي الذي يملك السبهان زمامه باقتدار.

ونجحت الأمسية في شدّ انتباه حضورها النخبوي، خصوصاً تقديمها السحري من الشاعر عبدالعزيز أبو لسه، فيما عبّر كل من الشاعرين عن تجربته التي تشبهه، إلا أن علي الحازمي عزز بعالميته التجريبية تجربة سلطان السبهان وشدّ من أزرها، ليسجل «أدبي الباحة» نقطة إيجابية في برنامج الصيف عبر استقطاب أسماء إبداعية تحيل المكان إلى سماوات لتغدو الكلمات في رحابه صلاة.