-A +A
أحمد عوض
عندما يغيب القانون يظهر أبشع ما في نفس البشر، يظهر التوحش، تُصبح الحياة بلا أخلاق وبلا مبادئ، القانون وحده من يحكم ويجعل النفس مُهَذَّبَة قسراً..

عندما يغيب القانون تنتشر الفوضى، تُولد الجريمة، تتحوّل الحياة إلى جحيم، تُصبح المؤامرة هي المُحرّك الرئيس لِكُل شيء..


عندما ينهار القانون تنهار معه القِيَم الإنسانية وتطفو على السطح الحقيقة الكامنة في نفس الإنسانية..

الحياة المدنيّة التي يحياها الإنسان في لحظات سريعة تتداعى للسقوط والتلاشي، وبسرعة تجد أن السوء تفشى والقُبح هو المُتسيّد والجريمة هي الخيار الأول للجميع..

في فوضى اللا قانون البحث عن (الأكل) يدفع الناس للتحول إلى حيوانات تقتل دون أن تهتم..

الشر هو الغريزة الأساسية في النفس البشرية، صراع البقاء كما نرى في الغابة هو الأصل، يقتل الإنسان عندما يتوحش ليأكل هكذا وببساطة مُرعبة..

(يقتل الإنسان ليأكل) هذا ما كشفه الروائي البُرتغالي خوسيه ساراماغو في روايته الخالدة (العمى)، هذا الروائي الذي لم يذق طعم النجاح إلاّ في سن مُتأخرة، ظل طوال عمره بعيداً عن الشهرة حتى عمر الستين عندما أدرك العالم أجمع أن هناك أديباً برتغالياً عظيماً..

ساراماغو الذي احتضن أشجار التين والزيتون في مزرعة جدّه في القرية قبل رحيله عنها، مودعاً لها ردّد طويلاً (أن ترى وأن تعيش بين هذه الأشياء ثم لا تترك فيك أثراً مدى الحياة، فاعلم أنك لا تمتلك أي مشاعر)، ترك القرية ليجد في المدينة عالماً آخر، عالماً تحكمه القوانين الصعبة وتوحشاً تكبح جماحه هذه القوانين..

لا شيء أخطر من نشر ثقافة كسر القانون والاستهتار بِه، لا شيء أخطر من جعل التمادي في نشر الفوضى وازدراء قوة القانون شيئاً طبيعياً، يتوقع الناس أن الأمر سهل وبلا مخاطر حقيقية وفي الحقيقة أنّ انهيار القِيَم الأخلاقية أسرع مما يتوقع الجميع، ينهار القانون فتنهار الأخلاق ويتحوّل البشر إلى حيوانات تقتل وتسرق و تُدمر..

لقد رأينا هذا التوحش في كُل نقطة جغرافية دبّت فيها الفوضى..

ساراماغو في رواية (العمى) طرح دستوراً عالمياً، خُلاصته أن غياب القانون يجعل (البشر عمياناً يستطيعون أن يروا، لكنهم لا يرون)..

أخيراً..

مهما كان الإنسان واثقاً من إنسانيته يجب أن لا يُخدع، هذه الإنسانية أساسها القانون وتوفر (الأكل) اللذين متى ما فُقِدَا سيرى الإنسان وجهاً مُتوحشاً لنفسه لم يعتد رؤيته.

* كاتب سعودي

ahmadd1980d@gmail.com