لم تكن الدولة السعودية الأولى التي تأسست العام 1744م على يد الإمام محمد بن سعود «ثورة للبدو» كما تصورتها القوى الإقليمية المحيطة بالجزيرة العربية حينها، ولم تكن أيضا تجمعا عشائريا سيذوب مع الزمن كما تمنى خصومها، لقد ظن الكثير من أعداء إمارة الدرعية الناشئة أن باستطاعتهم إخماد الحركة الإصلاحية التي نشرتها «الدرعية» في وسط نجد، بالتشويه والتحريض تارة، أو بإرسال الجيوش تارة أخرى، إلا أن كل ذلك لم يفلح أبدا، فكلما ظن أعداء السعودية أنها وهنت أو اندثرت عادت كما العنقاء من وسط الرماد أكثر حياة مما سبق.
لقد كان الأمر مختلفا هذه المرة، الدرعية التي صمدت أمام كل تلك الحروب والضغائن، استطاعت بقيادة الإمام محمد بن سعود الخروج من إمارة القرية الصغيرة إلى رحاب الدولة الكبيرة، وفرضت قوتها وهيبتها ومكنت الاستقرار المنشود على كامل ترابها الوطني الذي حكمته.
لم تستوعب القوى الإقليمية حجم الدولة الوليدة إلا في أعقاب وصول القوات السعودية إلى مشارف الشام والعراق شمالا وسواحل عُمان جنوبا، وبسط سيادتها على معظم الجزيرة العربية أي بعدما أصبحت تلك الدولة حقيقة واقعة.
كل ذلك صنع «لإمارة الدرعية» احتراما عند الحلفاء، وهيبة عند الأعداء، لم تكتف «الدرعية» بذلك، بل رسخت وجودها في محيطها والإقليم بإنشاء علاقات عربية ودولية مع القوى المسيطرة على العالم في ذلك الوقت.
وكما هي الإستراتيجية السعودية دائما كانت للعلاقة مع الفضاء الخليجي والعربي أولوية كبرى فنجحت «الدرعية» في بناء علاقات مع حكام وشيوخ ساحل الخليج العربي.
لكن اللافت للنظر أن الدولة السعودية الأولى لم تكتف بعلاقاتها مع جيرانها القريبين، بل مدت يديها بالسلام إلى أقصى المغرب العربي حيث السلطنة العلوية.. فكيف كان ذلك ولماذا؟!
على إثر انتشار الدعوة الإصلاحية في الجزيرة العربية منطلقة من إمارة الدرعية، بعث الإمام عبدالعزيز الأول ابن الإمام محمد بن سعود سنة 1226هـ - 1811م رسالة إلى عدد من الدول الإسلامية وسلاطينها وحكامها شارحا فيها توجه الدعوة الإصلاحية وبناءها الفقهي والعقائدي، وكان من ضمن ممن تلقوا الرسالة مجموعة من علماء تونس، وكذلك السلطان «سليمان العلوي» سلطان الدولة العلوية في المغرب.
كان موقف السلطان سليمان متفهما لما جاء في الرسالة، واهتم بمضامينها كثيرا ولم يستسلم للدعايات التي ألصقت بالدعوة، ولم يرفض ما جاء فيها مسبقا، بل تعامل معها بالحكمة والعقل، وللتقصي أكثر حول مفاهيمها الإسلامية وليفرق بين ما أشيع عنها وبين حقيقتها، أرسل مجموعة من العلماء المغاربة الذين عادة ما يترأسون وفود حجاج السلطنة للاطلاع على أفكار هذا التوجه الجديد والحكم عليه في منبته.
عادت بعثة العلماء إلى المغرب بعدما التقت بالعلماء النجديين في موسم الحج بمعلومات وافية عن الدعوة الإصلاحية وتوجهاتها، وأطلعوا السلطان سليمان على ما سمعوه وما رأوه، لقد وقعت هذه الرؤية الدينية التي ضمنها الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود في خطابه موقعا حسنا لدى «السلطان سليمان» الذي كان مؤمنا بها.
تقول المصادر المغربية وبالأخص كتاب «الخطاب الإصلاحي في المغرب التكوين والمصادر» للباحث عبد الإله بلقزيز، إن السلطان سليمان لم يجد في موقف «الحركة الإصلاحية النجدية» ما يخالف ما يؤمن به شخصيا، فأقدم السلطان سليمان على مجموعة من الإجراءات التي مهدت لنشر الفكر الإصلاحي النجدي في السلطنة المغربية وعُد ذلك أول تنظيم يقوده «المخزن» لإصلاح التدين السائد في المغرب وإعادة النظر في بعض الممارسات التي كانت منتشرة في البلاد آنذاك.
لقد كانت تلك إرهاصات مبكرة جدا للعلاقات السعودية المغاربية المستمرة منذ مئتي عام، بدأت على يدي «الإمام النجدي والسلطان العلوي» بانفتاح فقهي ورؤية بعيدة المدى جمعت الشرق بالمغرب العربي دون رفض للأفكار ولا مواقف مسبقة، واستمرت لليوم عبر ملوك الدولتين السعودية الثالثة والمغربية بشراكة سياسية واجتماعية وثقافية عميقة.
* كاتب سعودي
لقد كان الأمر مختلفا هذه المرة، الدرعية التي صمدت أمام كل تلك الحروب والضغائن، استطاعت بقيادة الإمام محمد بن سعود الخروج من إمارة القرية الصغيرة إلى رحاب الدولة الكبيرة، وفرضت قوتها وهيبتها ومكنت الاستقرار المنشود على كامل ترابها الوطني الذي حكمته.
لم تستوعب القوى الإقليمية حجم الدولة الوليدة إلا في أعقاب وصول القوات السعودية إلى مشارف الشام والعراق شمالا وسواحل عُمان جنوبا، وبسط سيادتها على معظم الجزيرة العربية أي بعدما أصبحت تلك الدولة حقيقة واقعة.
كل ذلك صنع «لإمارة الدرعية» احتراما عند الحلفاء، وهيبة عند الأعداء، لم تكتف «الدرعية» بذلك، بل رسخت وجودها في محيطها والإقليم بإنشاء علاقات عربية ودولية مع القوى المسيطرة على العالم في ذلك الوقت.
وكما هي الإستراتيجية السعودية دائما كانت للعلاقة مع الفضاء الخليجي والعربي أولوية كبرى فنجحت «الدرعية» في بناء علاقات مع حكام وشيوخ ساحل الخليج العربي.
لكن اللافت للنظر أن الدولة السعودية الأولى لم تكتف بعلاقاتها مع جيرانها القريبين، بل مدت يديها بالسلام إلى أقصى المغرب العربي حيث السلطنة العلوية.. فكيف كان ذلك ولماذا؟!
على إثر انتشار الدعوة الإصلاحية في الجزيرة العربية منطلقة من إمارة الدرعية، بعث الإمام عبدالعزيز الأول ابن الإمام محمد بن سعود سنة 1226هـ - 1811م رسالة إلى عدد من الدول الإسلامية وسلاطينها وحكامها شارحا فيها توجه الدعوة الإصلاحية وبناءها الفقهي والعقائدي، وكان من ضمن ممن تلقوا الرسالة مجموعة من علماء تونس، وكذلك السلطان «سليمان العلوي» سلطان الدولة العلوية في المغرب.
كان موقف السلطان سليمان متفهما لما جاء في الرسالة، واهتم بمضامينها كثيرا ولم يستسلم للدعايات التي ألصقت بالدعوة، ولم يرفض ما جاء فيها مسبقا، بل تعامل معها بالحكمة والعقل، وللتقصي أكثر حول مفاهيمها الإسلامية وليفرق بين ما أشيع عنها وبين حقيقتها، أرسل مجموعة من العلماء المغاربة الذين عادة ما يترأسون وفود حجاج السلطنة للاطلاع على أفكار هذا التوجه الجديد والحكم عليه في منبته.
عادت بعثة العلماء إلى المغرب بعدما التقت بالعلماء النجديين في موسم الحج بمعلومات وافية عن الدعوة الإصلاحية وتوجهاتها، وأطلعوا السلطان سليمان على ما سمعوه وما رأوه، لقد وقعت هذه الرؤية الدينية التي ضمنها الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود في خطابه موقعا حسنا لدى «السلطان سليمان» الذي كان مؤمنا بها.
تقول المصادر المغربية وبالأخص كتاب «الخطاب الإصلاحي في المغرب التكوين والمصادر» للباحث عبد الإله بلقزيز، إن السلطان سليمان لم يجد في موقف «الحركة الإصلاحية النجدية» ما يخالف ما يؤمن به شخصيا، فأقدم السلطان سليمان على مجموعة من الإجراءات التي مهدت لنشر الفكر الإصلاحي النجدي في السلطنة المغربية وعُد ذلك أول تنظيم يقوده «المخزن» لإصلاح التدين السائد في المغرب وإعادة النظر في بعض الممارسات التي كانت منتشرة في البلاد آنذاك.
لقد كانت تلك إرهاصات مبكرة جدا للعلاقات السعودية المغاربية المستمرة منذ مئتي عام، بدأت على يدي «الإمام النجدي والسلطان العلوي» بانفتاح فقهي ورؤية بعيدة المدى جمعت الشرق بالمغرب العربي دون رفض للأفكار ولا مواقف مسبقة، واستمرت لليوم عبر ملوك الدولتين السعودية الثالثة والمغربية بشراكة سياسية واجتماعية وثقافية عميقة.
* كاتب سعودي