-A +A
حمود أبو طالب
اعتدنا على مشاهدة أيام وطنية في بلدان عربية كثيرة، قبل أن تتهاوى بعضها ويترنح بعضها الآخر، تؤطرها العسكرتاريا واستعراضات القوة رغم أنها في أنظمة تدعي أنها جمهورية وديموقراطية منتخبة تعود السلطة فيها للشعب، ولكن في المقابل لا يرى الناس في اليوم الوطني سوى استعراض الدبابات والمدرعات والطائرات الحربية على شرف الزعيم الأوحد وجوقته التي تتحكم في مفاصل البلد وتسوم أهله الترهيب والاستبداد، ولا بأس من بث بعض الأغاني الوطنية التي تتمحور حول الزعيم وحزبه الحاكم بعد أن تجيزها وزارة إعلام الحاكم الأوحد المستبد. ولأنها أنظمة انقلابية قفزت إلى السلطة دون أي مشروعية فإن الريبة والتوجس والشك يجعلها تحصي أنفاس الناس وحركاتهم وسكناتهم، السلطة هي التي تأمر طلاب المدارس والجامعات، وكل الشعب المغلوب على أمره أن يحمل اللافتات ويصفق للزعيم الأوحد، ومن لا يفعل سوف يعرف ماذا يفعله زوّارالفجر.

تلك الكيانات الهشة المصطنعة كانت تعيّرنا ذات زمن بأننا بلدان متخلفة. كانوا يعتبروننا نشازاً في العالم الجديد الذي بشّروا به، ومضى الزمن والزمن فضّاح، ليثبت للدنيا كم كان زيفهم وكم كان صدقنا.


مثلاً مثلاً، ها نحن في المملكة العربية السعودية، لا مدينة صغيرة أو كبيرة إلا واحتفلت بيومها الوطني، ليس بأوامر الاستخبارات وأحذية العسكر، وإنما بأمر الحب للوطن وقيادة الوطن، وبأمر الثقة بين الشعب وقيادته. شعب يحتفي بوحدته وأمنه واستقراره وتطوره وأحلامه الكبرى، شعب ينام وأبوابه مفتوحة لأنه لا يخاف من ظلم أو استبداد. عندما تُرفع أعلام الوطن في كل بيت وكل شارع وكل قرية وكل مدينة فليس لأن الشعب مجبور على ذلك، ولكن لأنه أراد ذلك بكامل حريته واختياره.

شعب توحّد على قسم عظيم بألا يسمح لأحد أن يخترقه. شعب له وطن، ووطن عظيم له شأن كبير في هذا العالم المضطرب. شعب يسافر مواطنه من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه، ومن ضفته الشرقية إلى ضفته الغربية، دون خشية من قاطع طريق أو ميليشيا صغيرة تديرها ميليشيا كبيرة، يديرها زعيم أجبر الشعب أن يهتف له.

نعم، كأي وطن آخر لدينا مشاكل وعقبات، لكن الجميل حين يقرر الوطن أن يتجاوزها بقيادته وشعبه، وقد تجاوزنا الكثير وأصبحت لدينا المناعة من التجارة بالوطن، وأصبح لدينا الاستعداد الكبير لأن يكون وطننا فوق هام السحب، فعلاً وليس قولاً فحسب.