-A +A
بشير أحمد الأنصاري *
من المفاهيم التي استوطنت العقل اللاواعي لدى عدد من المسلمين تقديس الجوع وإجلال ثقافة الجوع حيث أن الصيام في رأيهم ليس إلا صناعة الإنسان الجائع، متناسين أن الجوع ابتلاءٌ إلهيٌ مثل المرض وانعدام الأمن والقحط كما تُشير إلى ذلك الآية رقم 157 من سورة البقرة. من جانب آخر عندما عدّد الله نعمَهُ على قريشٍ قال: «فليعبدوا رب هذا البيت. الذي أطعمهم من جوعٍ وآمنهم من خوفٍ».10 بناءً على الرؤية القرآنية فإن المجتمع الإسلامي يقوم على دعامتين وهما الأمن الغذائي والأمن الاجتماعي.

وفي سورة النحل تتحدث الآية رقم 122عن تذوّق لباس الجوع والخوف، وهو تعبير بليغ يُحسس القارئَ بألمَ الجوعِ بكلّ حواسه. فكيف يمكن أن نقدس الجوع وكتاب الله بين أيدينا يقول «فكلوا مما رزقكم اللهُ حلالاً طيباً» 11


وإذا تأملنا السنة النبوية فسنجد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ دائما من الجوع، وجعلَ الفقرَ والكفرَ والجوعَ قرناء. روى أبو داوود وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم إني أعوذ بك من الجوع.

إن الحالة المثالية التي نتوصل إليها عبر تعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم هي حالةٍ بين الشبع والجوع. وقد وصف أحد السلف هذه الحالة بقوله: «نحنُ قومٌ لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع». ففي هذا السياق يجدر بنا أن نذكر أن المعدة تُرسل إشارة للدماغ بالشبع بعد مضيّ عشرين دقيقة من بدء الأكل، وهذا يعني أن الدماغ يشعر بالشبع متأخراً.

إن القدرة على الجود ودوام السجود إنما تحصل لذوي الخير الذين يُزكون مالهم، وأن القدرة على أداء الطاعة إنما توجد في اللقمة الطاهرة النظيفة، فما القوة التي يمكن انتظارها من معدة خاوية؟ وهل الرِّجْل التي أضناه الجوع قادر على السير و عمل الخير؟

الجوع سببٌ رئيس للمصائب التي يشهدها العالم و الجوع يجعل الشعوب تفقد استقلالها وإرادتها. إن صراخ المعدات الجائعة في بعض المجتمعات أعلى من صوت الضمائر.، ويعكس المثل الأمريكي «لا وطنية مع معدة فارغة» الكثير من المعاني التي أشرنا إليها

الصوم موسم للشعور بآلام الجوعى وليس إشاعة الجوع وتقديسه. إنه ليس إلا حملة شاملة لمكافحة القحط والجوع بكل أبعاده. رمضان ليس موسماً لصناعة الجوع بل موسم لمكافحة الجوع.

* محاضر بجامعة (إس إم يو) بولاية تكساس الأمريكية سابقا