-A +A
طارق فدعق
من الصعب أن تجد من يؤيد الاحتكار بأي من أشكاله، ولكن في بعض الصناعات التي تتطلب استثمارات مرتفعة جداً، ومتخصصة جداً، تصبح الممارسات الاحتكارية هي الوضع الطبيعي. ويتبلور هذا المبدأ في عالم صناعة الطائرات، وبالذات الطائرات التجارية، فمعظم الطائرات التجارية العاملة في العالم اليوم مصدرها من شركتين فقط: بوينج الأمريكية، وإيرباص الأوروبية. وتحديداً فالأسطول العالمي التجاري العامل اليوم يتكون من نحو 23 ألف طائرة: أكثر من 60% منها من طراز «بوينج». ولو تأملت في وضع الأسطول العالمي بدقة، ستجد أن هناك تجزئة هائلة. فالتنافس يتبلور في شرائح محددة.. لعبة «الكبار» في الحجم والمبيعات كما ذكرت أعلاه هي البوينج والإيرباص في الطائرات التي تبدأ في سعتها من 120 راكباً وأعلى.. ولو نزلت إلى الشريحة الثانية ستجد الطائرات الأصغر سعة دون 120 راكباً، تتوزع بين شركتين أساسيتين وهما «بومباردييه» الكندية، و«إمبراير» البرازيلية. وللعلم فالسوق التي يتنافسان فيها تخدم عدداً أكبر من المطارات؛ لأنها تشمل المطارات المحلية، والإقليمية، والدولية. وقد طرحت الشركة الكندية مؤخراً طائرتها النفاثة الجديدة بالكامل من طراز «سي إس» بسعة تتراوح من 108 إلى 130 راكباً. والطائرة مصممة للنقل القصير أو متوسط المدى بحد أقصى من جدة إلى باريس على سبيل المثال. وتتميز الطائرة الجديدة بوسع مقصورة الركاب التي تحتوي على 5 مقاعد.. مقعدين ثم ممر ثم 3 مقاعد.. والطريف أن المقعد الأوسط في الرصة ذات 3 مقاعد يتميز بالحجم الأكبر لتعويض الراكب الذي يجلس في ذلك المكان.. حركة جميلة جداً. وتتميز أيضاً بأن دورات المياه بداخلها مخصصة لاستعمال ذوي الاحتياجات الخاصة بدون «هيصة ولا دراما». وتتميز أيضاً بسعة تخزين كبيرة جداً للحقائب الشخصية بداخل مقصورة الركاب.. تكفي لتيس صغير لكل من نصف ركاب الطائرة، وبقشة متوسطة الحجم للنصف الآخر. ويضاف إلى ذلك أيضاً موضوع «الطيق» الكبيرة نسبة إلى العديد من نوافذ الطائرات التجارية الأخرى. وأما الميزات التي توفرها للمشغل، فهي تتميز باستخدام كميات وقود منخفض يصل إلى ما يقدر بنحو لترين للراكب لكل 100 كيلو متر حسب ادعاء الشركة.. يعني ما يعادل استخدام مشوار جدة إلى المدينة المنورة في «بوكس البيجو» أيام زمان.. وبالنسبة لميزاتها للمطارات والمجتمع فهي تتميز ببصمة ضوضائية منخفضة جداً نسبة إلى الطائرات الأخرى. وتحديداً فهي مزودة بمحركات تقنية جديدة تعتمد على «التعشيق». والمقصود بذلك هو استخدام «جرابوكس» في مؤخرة المحرك لتكوين فارق بين دوران الجزء الخلفي من المحرك الذي يتم فيه الاحتراق، والمروحة الكبيرة الأمامية التي تولد معظم الدفع. والفلسفة هنا هي أن من الأفضل أن تدور تلك المروحة بسرعة أقل من دوران التروس في الجزء الخلفي، وذلك لدفع كمية أكبر من الهواء بسرعات أقل. والناتج من كل ذلك هو أن مستوى الضوضاء يقل إلى أقل من نصف المحركات النفاثة الحالية، وباستخدام كميات أقل من الوقود. وتشير تجربة الشركات التي بدأت بتشغيل الطائرة، وبالذات الشركة السويسرية، وطيران البلطيق، والطيران الكوري أن درجة الاعتمادية ممتازة، وأن الركاب والطيارين يبدون ارتياحاً كبيراً للطائرة الجديدة.

ومنذ أن قدمت الشركة الكندية هذه الطائرة وهي تحاول كسب جزء من السوق الأمريكية. ولكنها فوجئت أن الحكومة الأمريكية وضعت عليها ضرائب هائلة تصل إلى 300% بحكم أنها منتج مدعم من الحكومة الكندية وأنها محاولة لإغراق السوق الأمريكية. وجاء الرد مفاجئاً للجميع فقد اشترت مجموعة إيرباص الأوروبية كامل حصة الشركة الكندية في الطائرة. وحيث إن الايرباص لديها مصنع في الولايات المتحدة فلن تعتبر من المنتجات المستوردة التي توضع عليها ضريبة هائلة.


أمنيــــــة

خلال فترة بسيطة ستبدأ بمشيئة الله إحدى الناقلات الجوية السعودية بتشغيل هذه الطائرة في سماء المملكة. أتمنى أن أكون من أوائل ركابها، وأتمنى لها النجاح؛ لأنها تسعى نحو سلامة، وراحة الركاب، وحسن الجوار بطرق إبداعية، بتوفيق الله، وهو من وراء القصد.

* كاتب سعودي