البوعينين
البوعينين
-A +A
طارق البوعينين T.Al-Buainain@sasref.com.sa
منذ الصغر ونحن نسمع أن اليابانيين وصلوا إلى ما وصلوا إليه من تقدم وتطور نتيجة استغلالهم للوقت بالشكل المطلوب، إضافة لحبهم للعمل بشكل متناهي النظير، حتى سمعنا قصصا عن أطفالهم تنم عن حرصهم على المذاكرة والاجتهاد سواء في المنازل أو الطرقات أو حتى أثناء انتظار الباصات، اليوم قرأنا عن إحدى الشركات اليابانية أنها منحت موظفيها غير المدخنين 6 أيام إجازة إضافية مدفوعة الأجر تعويضاً لهم، حيث أنهم لاحظوا أن غير المدخن يكون منشغلاً بعمله، في حين أن المدخن يصرف هذا الوقت في التدخين، ما أشعرهم بشيء من عدم المساواة والظلم لهم، إضافة إلى تشجيع الموظفين المدخنين على الإقلاع عن التدخين واستغلال هذا الوقت بما يعود بالنفع عليهم وعلى شركاتهم. أنا شخصياً وكموظف في إحدى الشركات وجدت في نفسي هذا الشعور وأحسست بالظلم حيث أن بعض زملائي المدخنين يستقطعون أوقاتا إضافية غير محددة للذهاب للتدخين في أماكن مهيئة ومخصصة لهم، وفي أثناء التدخين لا تنفك عنهم الأحاديث الجانبية وشيء من الترويح عن النفس. بالتأكيد الأمر لا يدعو للحسد ولا حتى الغبطة ولا أتمنى أن أكون مكانهم، ولكن بالنسبة لنا كموظفين غير مدخنين أليس من العدل تمييزنا ولو بشيء بسيط عن هؤلاء المدخنين؟ رفعا للمعنويات ودعما لنا وتشجيعاً لزملائنا للإقلاع عن التدخين. إن بيئة العمل مشجعة للتدخين بشكل كبير بين أوساط الشباب، فلها نصيب كبير من أوقاتهم اليومية، وما تبذله الجمعيات والجهات الأخرى كالأسر والبيوت من جهود في سبيل الإقلاع عن التدخين تضمحل في هذه البيئة، ولو تكاتفت الجهود لأثمرت النتائج بالشكل المطلوب، كما أن جمعيات علاج المدخنين وغيرها من المكافحين لهذا الوباء بحاجة إلى التنويع في الوسائل والضغط على المدخن من خلال البيئة المحيطة به كبيئة العمل أو البيت والأهل أو الأصدقاء، فليس بالضرورة أن يتم مكافحة لهيب النار كي تنطفأ بل يكفي أن نقطع عنها أحد مسبباتها مثل الأكسجين فتخمد. وأما ما يخص التوعيات السنوية فهي مجرد أعياد لهذه المناسبة ولكن أعياد مأسوية تذكر بالإحصائيات المرعبة لضحايا الدخان من مرضى ووفيات، مما يشعر بالألم والحزن ولا اتوقع أن هذا الحزن والألم يكون مشجعا له للتصدي لمعالجة هذه القضية، إن لم نعمل على جعل هذه التوعيات مصدر إلهام لمزيد من البذل والسعي. الشركة اليابانية بالنسبة لها الوقت يعادل المال، بالتالي لم تكن نظرتها وجل اهتمامها وما اتخذته من إجراءات وقرارات في سبيل الإقلاع ومكافحة التدخين، بل ما اتخذته كان من أجل تحقيق العدالة والمساواة في الحقوق المشتركة بين الموظفين، وأما الإقلاع عن التدخين فسيأتي تبعاً لتلك المساواة، وهو ما يبين لنا أن الحقوق المشتركة بين الموظفين أولى بمراعاتها من مجرد المصالح الشخصية للأفراد، وتتفاقم المشكلة إذا كان رأس الهرم في كل شركة وبيئة عمل هم من أصحاب الدخان وممن يتعاطونه، فهل من الممكن أن يقتنعوا بمثل هذه المبادرات البناءة أم أنهم خارج نطاق التغطية؟