-A +A
عبدالله صادق دحلان
الخصخصة في معناها العام هي التحول في الإدارة والتشغيل من النظام الحكومي إلى النظام الخاص، وصور الخصخصة تكون إما ببيع مشاريع الدولة إلى القطاع الخاص، أو تكون بإعطاء القطاع الخاص دور الإدارة والتشغيل فقط، وتلجأ العديد من الدول النامية إلى برامج الخصخصة بهدف رفع الأعباء المالية من على ميزانية الدولة، أو بهدف تقليص الإنفاق على مشاريع الدولة الخدمية، أو بهدف محاربة فساد الإدارة الحكومية أو بهدف تخفيف الترهل الوظيفي وخفض الفاقد في المصروفات والتوجه نحو تطوير الخدمات بفكر القطاع الخاص لهدف زيادة الإنتاجية وتطوير الخدمة.

وفي المملكة كان التوجه نحو خصخصة بعض الخدمات الأساسية منذ سنوات طويلة مع الحفاظ على أغلبية الملكية للشركات وطرح نسب بسيطة لا تتجاوز 20% من الملكية تخطيطاً لطرح المزيد منها للمساهمين من المواطنين، وكان قرار الخصخصة هو تحول نظام إدارة وتشغيل بعض الخدمات من نظام حكومي إلى نظام الشركات وبفكر اقتصادي، وبالفعل نجحت معظم الخدمات المخصخصة في تطوير خدماتها وتحسين جودة مخرجاتها ورفع اقتصاديات تشغيلها وتوسيع دائرة خدماتها، ومن أهم هذه الشركات شركة الكهرباء وشركة الاتصالات، والتي استطاعت أن تحقق الهدف من تحولها من خدمة وزارات أو مؤسسات عامة حكومية إلى شركات، فتطورت الخدمة وانتشرت وعالجت العجز في الخدمة وعمّت خدماتها وبدأت تحقق عوائد إيجابية تساهم في نمو دخل الدولة، ثم أعقبتها بعض الشركات الخدمية مثل شركة المياه وشركة النقل الجوي وشركة الشحن الجوي وشركة السكك الحديدية وشركات أخرى.


هو توجه صحيح يتماشى مع الفكر الاقتصادي للدولة الحديثة، وقبل شهور كشفت الدولة عن رغبتها في التوجه نحو خصخصة قطاع الخدمات الطبية وقطاع التعليم ضمن توجه الدولة نحو خطة التطوير المستقبلي (2030)، وهو توجه يحظى باهتمام كبير من القيادة السعودية ومن رجال الفكر الاقتصادي.

إلا أنه أثار قلقا كبيرا لدى العامة من المواطنين خوفا من قرار وقف مجانية التعليم والصحة، وهي الخدمات الأساسية لواجبات الدولة في جميع دول العالم، ومع قرب التوجه لإصدار وزارة التعليم قرار خصخصة الجامعات والمدارس الحكومية ازداد القلق والتخوف من قبل أولياء أمور الطلبة في جميع المراحل التعليمية، إلا أن وزارة التعليم مشكورة بدأت ببرامجها التثقيفية لإيضاح مفهوم الخصخصة التي تعتزم وزارة التعليم تطبيقه والتركيز والإعلان بوضوح (مجانية التعليم)، وهو عهد أخذه على نفسه المؤسس الملك عبد العزيز طيب الله ثراه منذ بداية تأسيس الدولة السعودية.

وهذا ما أوضحه معالي وزير التعليم الدكتور أحمد العيسى وطمأن مئات الآلاف من الطلبة وأولياء أمورهم، وهو ما أكده الدكتور محمد بن عبدالعزيز الصالح أمين اللجنة المؤقتة لتولي صلاحية مجلس التعليم العالي، والذي بدّد مخاوف الجامعات السعودية وطلبتها، حيث أعلن ذلك ضمن مشاركته الأسبوع الماضي في المؤتمر الثامن عشر للجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية (جستن)، حيث أوصى المؤتمر بالبدء في تطبيق مبادئ الخصخصة في إدارة وتشغيل كافة جوانب الجامعات والعمل على خفض التكلفة التشغيلية والتوسع في إيجاد مصادر تمويل ذاتية عن طريق إنشاء الشركات واستثمار أراضيها أو إنشاء أوقاف أو تطبيق نظام الرسوم على بعض الخدمات.

وأكد الدكتور الصالح أن دراسة البكالوريوس ستكون مجانية وأن نظام الجامعات الجديد جاء بناء على توجيه ولي العهد لوزارة التعليم ليتماشى مع رؤية المملكة (2030)، والعمل على إنشاء جامعات غير ربحية بإدارة وتشغيل ذاتي تعتمد على مواردها المالية والبشرية.

ومن أهم ملامح النظام الجديد للجامعات الحكومية السعودية تقسيم الجامعات إلى:

جامعات بحثية تركز على الجوانب البحثية وتقديم برامج الدراسات العليا لدرجتي الماجستير والدكتوراه عن طريق البحث العلمي.

وجامعات علمية تركز على التعليم لمرحلتي البكالوريوس والماجستير.

وجامعات تطبيقية تركز على التعليم التطبيقي في مرحلة الدبلوم.

وركّز المؤتمر على أهمية المواءمة بين متطلبات سوق العمل ومخرجات التعليم الجامعي، وشدّد على أهمية مراجعة الخطط التعليمية للأقسام والبرامج بما يتوافق مع هوية الجامعة التي تهدف إلى تحقيق رؤية الوطن (2030).

والحقيقة أنه توجه صائب من وزارة التعليم في خصخصة الجامعات، وتوجه حديث في خصخصة المدارس الحكومية من خلال برنامج الإدارة والتشغيل من قبل مؤسسات صغيرة متخصصة في القطاع الأهلي المتخصص وصاحب خبرة مما يسهم في تطوير المدارس الحكومية ورفع مستواها العلمي ورفع مستوى المدرسين من خلال تدريبهم وتطوير إمكانياتهم وإدخال التقنيات الحديثة في التعليم.

وأجزم أن هذا التوجه في خصخصة إدارة وتشغيل المدارس الحكومية مع الحفاظ على مجانية التعليم هو التوجه الصحيح الذي يحقق الأهداف التي نسعى لها لتطوير التعليم.

* كاتب اقتصادي سعودي